لم تكن حركة المتغيرات في العالم بجناحيه الشرقي والغربي خلال العقد الماضي سريعة فحسب انما كانت في اغلب اوقاتها خارج نطاق المتوقع في اطارها الزمني، فاحداث كالتي جرت تحتاج لعقود من البحث والتنظير وتهيئة الارضية المناسبة للتنفيذ مع تحديد نسب نجاح معلومة، لكن ما يجري يخترق مساحة التخطيط الزمني ويسجل في اغلب الاحيان العلامات الكاملة.
اذا اردنا ان نوجز ونستوعب الاحداث في ان واحد كان لابد من اعتماد العقد كوحدة قياس للبحث دون النظر الى نطقة الانطلاق فقد تكون شرق اوسطية او شرقية بامتياز او غربية بامتياز.
من اميركا نبدأ لعلها الاكثر حضورا في ذهن الجميع، المتابع للشأن السياسي وغيره فترامب “الشعبوي” ليس اول مؤشرات التغيير الاميركي انما كان التغيير واضحا في المزاج السياسي العام في اميركا والذي تناغم معه الجمهور بشكل كبير، فاوباما نتاج تغير في المزاج العام السياسي كونه الرئيس “الاسود” الاول الذي مسك مفاتيح البيت الابيض. لاشك ان هناك عدة امور هيأت قبول اوباما رئيسا خارج نطاق المألوف منها وصول كولن باول وزير الخارجية الملون وكذلك كوندليزا رايز، مما يشير وفق هذا الطرح ان ترامب ان لم يكن ايقونة التغيير كاوباما فانه قد يكون ممهدا له ككوندليزا او باول.
ثمة مؤشرات كثيرة في مساحات اخرى ومنها روسيا الجديدة بزعامة رئيسها الحالي التي بدلت المواقع بين بوتن ومدفيدف وصولا الى روسيا الجديدة المتحكمة اكثر بممرات الطاقة والتي تكاد ان تكون مطبقة على البحر الابيض من حميميم في سوريا الى دعم الجنرال خليفة حفتر في ليبيا، الى المناورات التي اجرتها مع الجيش المصري، وللتذكير فقط عند الاستشهاد بهذه الحركات الروسية على انها متغيرات جوهرية لابد من العودة بالذاكرة الى ازمة جورجيا وصواريخ الباتريوت وكيف كان الدب الروسي مذعورا من دولة بحجم جورجيا وكانها انشطار اميبي لخاصرته الضعيفة المتمثلة بالشيشان والصراع القديم.
عقد من الزمن تجاوزت فيه موسكو حدود ازمة جورجيا لتكون حاضرة في القرم ومهددة للشرق الاوروبي ومتمسكة بادواتها كدولة عظمى.
نزولا من روسيا او ذهابا من روسيا باتجاه الغرب الروسي يتضح حال الاتحاد الاوربي تلك التجربة السياسية الاقتصادية الاجتماعية التي وحدت قارة حولتها الحروب الداخلية الى قارة عجوز تشظت فيها الدول الى دويلات حولت الخريطة الاوربية الى وجه كهل خطت على وجهه خطوط الحياة والتقدم في العمر.
اتحاد يحاول ان تبقى، فيه دول بحجم اليونان، اتحاد خسر بريطانيا التي استقلت بحثا عن مساحة دولة عظمى لا يوفرها اليورو، اتحاد فيه الصوت الاعلى لليمين المتطرف والنازيين الجدد، فيه دول غارقة في الفساد واخرى تعيش صراعا سياسيا مجتمعيا وثالثة تحاول ان تحصن نفسها من عودة المهاجرين اليها، اتحاد بات عبئا على الكبار ومكبلا لطموحات الصغار ولن تقف حالة النزف الاوربي عند خروج لندن.
هذه اميركا، هذه روسيا ، هذا هو الاتحاد الاوروبي، هذه هي المتغيرات في اقصى الغرب ووسطه وفي الدولى الكبرى الجامعة بين الشرق والغرب.
هل من امثلة اخرى لجنونية العقد الاخير من المتغيرات السياسية؟ نعم، هناك تركيا العلمانية بنكهة اسلامية، فيها العدالة والتنمية الاكثر قبولا عربيا واسلاميا ومن ثم تحول تصفير الازمات الى تفقيسها، فيها صوت واضح للعلويين وفيها لاول مرة حضور للكرد بصفتهم وشخوصهم، فيها مؤسسة الجيش تنهار رمزيتها
لصالح السلطة الجديدة التي تعمل على تكريس سلطة الزعيم الاوحد وقد تغير حتى علمانية
الدولة.
ايران هل هي مشمولة بالمتغيرات؟، نعم ايران خلال عقد من الزمن عاشت صراعا داخليا بين محافظين واصلاحيين انتهى بعودة نجاد بقوة وانتهى الصراع بروحاني رئيسا بلون رمادي لجميع المتواجدين في الوسط من الطرفين، مع حضور لافت لايران والخروج بنتائج ماراثونية اعترف من خلالها بدخول ايران نادي الدول النووية.
كبحث بمنحنى واضح لا بد ان تكون السعودية من بعد ايران، افول لمرحلة امراء الثمانين والتسعين الى مرحلة الشباب والعجز المالي وسندات الخزينة المروج لها وصولا الى حروب المباشرة تحت شعار “يا خيل الله اركبي” ومغادرة حروب الانابة والتعكز على الجماعات القادرة على زعزعة امن الدول المراد العبث بها، عقد بات يخاف فيه الجميع انهيار السلطة في الرياض كي لا يكون البديل داعش وهذه الامنية صدرت بلغة النصح من طهران، هذا حال السعودية.
مصر هل هي بعيدة من عاصفة العقد الاخير؟ لا، هي فيه من مبارك المتهم بالتوريث ومافيات الحزب الوطني الى المجلس العسكري وطنطاوي الى حكومة المرشد ومن ثم الى حكومة الجنرال، ازمة في تمويل الجيش وانهيار جنوني للجنيه مقابل الدولار وعزوف سياحي وازمة مياه قديمة جديدة طرحتها اثيوبيا في سد النهضة، انتهاءا بتيران وصنافير وراي القضاء بمصريتهما مما جعل اصدقاء الامس خصماء اليوم .
اما ليبيا الساحل الاطول على المياه الدافئة فهي من القذافي ملك ملوك افريقيا الى الحكومات والبرلمانات المتعددة الى اتفاق الصخيرات الى عودة الرهان الاماراتي المصري الروسي على خليفة حفتر والدعم التركي القطري لقوات فجر ليبيا والاسناد الاممي لحكومة السراج كلها متغيرات سريعة لا يتحملها بلد عاش لاكثر من اربعة عقود ممجدا بالكتاب الاخضر.
الاردن ايضا نالها ما نال غيرها من هجمة التغيير السياسي غير النمطي، فيها صعود للفكر المتشدد، ودخول على ملف الصراع السوري في الجنوب تحديدا وصولا الى حرق الكساسبة واضطرار المملكة الى اخراج المقدسي لطمأنة الشارع الداعشي في الاردن الى حضورها في مباحثات استانة كمراقب عربي يعطي الشرعية للمسار السياسي في سوريا بضوء اخضر اميركي اسرائيلي.
سوريا قد تكون الاسرع احداثا والمؤثر الاكبر في حركة العقد السياسية فمن اجلها وجد الربيع العربي وبها احكمت روسيا الوصول الى المياه الدافئة وبحكم قواعد اشتباكها خرجت ايران دولة نووية واليها أعيدت توازنات لبنان وبها قطع خط الغاز الذي هدد موسكو.
في عقد من الزمن لم تكن لبنان بعيدة، عقد فيه انتصار لحزب الله دعا الجميع الى مشاركته فيه لكنه تمت قراءته طائفيا، عقد شهد احتضار محوريه الاساسيين فانتهى الاحتضار بولادة عون زعيما على بعبدا .
هل اليمن متغير في عقد من الزمن؟. نعم هو كذلك، حروب بين صالح وانصار الله، ربيع عربي انتهى بمبادرة خليجية ازاحت صالح وقربت هادي، سقوط لهادي واعلان دستوري، عاصفة حزم سعودية لاعادة “ الشرعية”، حكومة انقاذ حوثية مؤتمرية تحاول التخلص من تبعات نقل البنك المركزي الى عدن والسيطرة على ترددات البث وتعطيل المطار وصولا الى مساع التقسيم الذي تختلف عليه السعودية مع الامارات فالاولى رافضة والثانية داعمة.
اخيرا بقي العراق الذي تأثر ولا يؤثر وعليه ان يقرا متغيرات العالم والمنطقة فالكل تغير فمتى هو يتغير؟، فيما بات لزاما من بعد هذا الطرح التأكيد على ان جملة من هذه المتغيرات التي جرت الويلات على اغلب الشعوب كانت بمسار ديمقراطي مما يؤكد المقولة الشهيرة “الديمقراطية افضل الخيارات السيئة”.
مقالات اخرى للكاتب