مقدمة
ما زالت حركة حقوق الإنسان في الوطن العربي حركة وليدة وجديدة ، ومنذ مايقارب أكثر من خمسة عقود من الزمن لم يكن هناك جمعية واحدة لحقوق الإنسان في الوطن العربي . والجامعة العربية التي تأسست في 22 آذار/ مارس 1945 كمنظمة إقليمية ، مثلث العرب لم يتضمن ميثاقها أية إشارة لحقوق الإنسان ، ومرد ذلك يعود الى أن الشعب العربي – والعراق منه – عاش قرونا طويلة من الاستبداد السياسي والتخلف بفعل الاحتلال العثماني والأوربي فيما بعد ، لذلك كان اقل المناطق تأثرا واستجابة لنهوض حركة حقوق الإنسان . في حين أن العالم المعاصر شهد ويشهد تحولات مستمرة وسريعة التقدم وفي مجالات متزايدة التنوع في العلوم الصرفة والإنسانية في ظل صيانة وضمان حقوق الإنسان وتطبيقها ، يترافق ذلك وكثافة المبادلات والتأثيرات فيما بين الثقافات . وأمام هكذا تحولات ، فالواجب الوطني يضع مسؤولية كبيرة على عاتق مؤسسات التربية والتعليم في العراق ومنها الجامعة في النهوض بنشر ثقافة حقوق الإنسان من اجل مواكبة تطور النظم السياسية في العالم المعاصر، وهذه المسؤولية تتطلب تظافر الجهود من أجل انجازها كونها مهمة مزدوجة تدخل في عداد تحديات المستقبل. من هذا المنطق جاء اختياري للبحث بعنوان ( الجامعة ونشر ثقافة حقوق الإنسان …قراءة معاصرة) ، استلهمت أفكاره من واقع تجربتي الأكاديمية في الجامعة ؛ ومن تدريسي لهذا الموضوع ، وهو موضوع مهم سيبقى بحاجة الى مزيد من البحث والتقصي والمواكبة من أجل وضع الحلول التي تكرس حقوق الإنسان وضمان حمايتها في العراق . الغاية من كتابة هذا البحث أن يكون إسهاما في الجهود الرامية الى تفعيل” الخطة الوطنية لحقوق الإنسان في العراق التي أعتمدها مجلس الوزراء”(1 ) فهو لا يتناول حقوق الإنسان من زاوية قانونية ، ولا بالتذكير بعهود ومواثيق حقوق الإنسان ، ولا يتعرض للسياسات والممارسات في مجال حقوق الإنسان ، ولا برصد انتهاكها ، وإنما البحث معني أساسا بمهمات الجامعة في نشر ثقافة حقوق الإنسان وتطبيقاتها من خلال خلق الوسائط والبيئات العلمية والاجتماعية القادرة على حمل الرسالة اليومية لحقوق الإنسان . ينطلق البحث من فرضية مفادها : هل إن الجامعة أسهمت في مهمة نشر ثقافة حقوق الإنسان وتطبيقاتها ؟ ، ومدى درجة هذا الإسهام ؟، مع بيان أهم المعوقات التي واجهة هذه المهمة
1
النبيلة ؟، وكيفية تجاوزها والارتقاء بها ؟.
وفي ضوء ذلك ، ركز البحث على تعريف مفهوم الجامعة وبيان وظائفها ؛ ومفهوم حقوق الإنسان ، تعريفها ، خصائصها ، مع ذكر أهم المواد الدستورية التي وردت في دستور جمهورية العراق لسنة 2005 فيما يتعلق بحقوق الإنسان . ومن ثم بيان دور الجامعة في نشر ثقافة حقوق الإنسان ، وماهي المعوقات التي واجهتها في أداء هذه المهمة ، مع الإشارة الى أهمية هذه المهمة في الإسهام بتحقيق التقدم الاقتصادي والفكري والاجتماعي ، وبالمحصلة تحقيق الاستقرار السياسي وضمان الأمن الإنساني .عزز البحث بتوصيات من أجل أرتقاء الجامعة بمهمة نشر وتعزيز ثقافة حقوق الإنسان وضمان التمتع بها .
مفهوم الجامعة .
إن الجامعة بمفهومها الحديث، ووظائفها المتعددة لم تكن وليدة اليوم ، ولا الأمس القريب ،وإنما جاءت نتيجة لتاريخ طويل ترك من خلفه جذورا ، وفكرا ، وعملا ، وممارسات . ولذلك فالجامعة تعرف : بأنها مؤسسة تعليمية ذات تاريخ عريق لها أهدافها المتميزة فضلا عن تقاليدها ، العلم محور عملها من حيث البحث فيه والإضافة إليه والمحافظة عليه وتحقيق استمراره وذلك بنقله وتعليمه للأجيال الجديدة الراغبة في الحصول عليه لما يضفيه هذا عليهم من مميزات اجتماعية ، ولما يمثله هذا العلم من أهمية للمجتمع على الخصوص وللبشرية جمعاء (2)
وتعرف الجامعة : بأنها مؤسسة علمية مستقلة ذات هيكل تنظيمي معين وأنظمة وأعراف وتقاليد أكاديمية معينة ، وتتمثل وظائفها الرئيسية في التدريس ( إعداد الكوادر البشرية ) والبحث العلمي وخدمة المجتمع ، وتتألف من مجموعة من الكليات والأقسام ذات الطبيعة العلمية التخصصية وتقدم برامج دراسية متنوعة في تخصصات مختلفة منها ماهو على مستوى البكالوريوس، ومنها ماهو على مستوى الدراسات العليا تمنح بموجبها شهادات علمية للطلاب (3) كما تعرف الجامعة أيضا : بأنها مؤسسة مجتمعية تفاعلية تمارس التأثير في مجتمعها وتتأثر بكل ما يواجهه من تحديات محلية وإقليمية وعالمية (4) وهناك من يعرفها على إنها تمثل مجتمعا علميا يهتم بالبحث عن الحقيقة وأن وظائفها الأساسية تتمثل في التعليم والبحث العلمي وخدمة المجتمع الذي يحيط بها(5). وتسهم الجامعة في وظائف أخرى كنقل المجتمع من التخلف الى التقدم والحداثة ، ونقل الاتجاهات والمهارات العلمية من مجتمع الى آخر ومن جيل الى جيل ، وبذلك تعمل على إنماء المعرفة العلمية ،وتنمية روح البحث الأكاديمي وترسيخ القيم الخلقية في أفراد الجيل الآتي ، وتطوير قابليات الطلبة والمتلقين وتنمية قدراتهم وتعزيز شخصياتهم العلمية ، ورفع درجة ولائهم الوطني .(6)
وفي هذا المعنى، وفي ظل التطور العلمي المتسارع وثورة تكنولوجيا الاتصال والمعلومات التي اختزلت الزمان والمكان ، يمكن إيجاز وظائف الجامعة بالآتي :(7)
2
اولا- إعداد الكوادر البشرية في مختلف التخصصات العلمية والإنسانية ، والكوادر المؤهلة لممارسة عملية التدريس والبحث الجامعيين .
ثانيا- ممارسة الدور القيادي في البحث العلمي في ظل التطور التقني وثورة الاتصالات والمعلومات ، أو الاستشارة في تنظيم المعرفة الإنسانية .
ثالثا- التفاعل مع مختلف قضايا المجتمع والبيئة المحلية .
رابعا- جعل الفرد / الطالب عضوا مشاركا بايجابية في المجتمع.
خامسا- توظيف نتائج البحث العلمي بما يخدم عمليات التنمية الوطنية ، وبما يسهم في تقديم الحلول للمشكلات التي تعاني منها الأوطــــــــــــان على نحو خــــــــاص والإنســـــــانية عمــوما.
حقوق الإنسان .
يعد موضوع حقوق الإنسان من المواضيع الشائكة ، لأنه موضوع واسع في مضمونه ، خطير في آثاره ؛ إذ شغل أذهان الفلاسفة وفقهاء القانون وعلماء ورجال الدين والسياسة والاجتماع والمؤرخين ؛ وكان ولازال محور نقاش وصراع ( ( 8 نظرا لشموله على مجموعة كبيرة من الحقوق سواء المدنية أو السياسية ، أو الاجتماعية أو الاقتصادية . علما أن الدين الإسلامي بوصفه المنطلق الأساس في الرؤية العربية أبتداءا وانتهاء – هو دين حقوق الإنسان ، وهو أول من قدس هذه الحقوق معتبرا أن الاعتداء عليها يرقى في بعض الأحوال الى حد الاعتداء على الناس جميعا – )انه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا )( (9 وبموجب ذلك وضعت الشريعة الإسلامية نظاما متكاملا لحماية حقوق الإنسان لايدانيه أي نظام مهما علا في إنسانيته (10) وتنبع خطورة موضوع حقوق الإنسان من تدخله في حياة الإنسان اليومية ، وفي نشاطاته المختلفة وعلاقته الفردية والذهنية بالآخرين وبالسلطة القائمة على أمر الجماعة ، وأي إنكار لحق من تلك الحقوق في النهاية إنكار لوجود الفرد ولكرامته ونفي لشـــرعية وجود الدولة نفســـــــــــها .(11) ورغم خطورة حقوق الإنسان إلا إن المواثيق والمعاهدات الدولية لم تضع تعريفا لها، فنجد أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان قد اقتصر في ديباجته على التأكيد بان الاعتراف بالكرامة المتأصلة في جميع أعضاء الأسرة البشرية وبحقوقهم المتساوية الثابتة هو أساس الحق والعدل والسلام في العالم ، كما أكد على ضرورة وجود حماية قانونية لحقوق الإنسان ، إذ أريد للبشر ألا يضطروا آخر الأمر الى التمرد على الطـــــــــغيان والاضطهاد (12).
مفهوم حقوق الإنسان .
ونحن نرصد مفهوم حقوق الإنسان ينبـــــــغي أن نعطي تعريفا أوليا له لغة واصطلاحا فهو:-
اولا- تعريف الحق لغة : “حق الأمر وحقوقا صح وثبت وصدق” (13) هو ” الثابت الذي لايسوغ أفكاره، واليقين بعد الشك، والواجب والعدل والأمر المقضي ، والحال “((14والملك ، وصدق
3
الحديث ، وهو أسم من أسماء الله تعالى أومن صفاته .(15)
الحق في الفرنسية : Droit Vrai وفي الإنكليزية :Right Truth True وفي اللاتينية : Jus Verus .
تعريف الحق اصطلاحا :
اولا- يطلق الحق في الفلسفة العربية على الوجود في الأعيان ، أو على الوجود الدائم أو على مطابقة الحكم للواقع ، الحق في اصطلاح أهل المعاني هو ” الحكم المطابق للواقع ، ويطلق على الأقوال والعقائد والأديان والمذاهب باعتبار اشتمالها على ذلك ، ويقابله الكذب ، وقد يفرق بينهما بأن المطابقة تعتبر الحق من جانب الواقع ، وفي الصدق من جانب الحكم فمعنى صدق الحكم مطابقته للواقع ومعنى حقيقته مطابقة الواقع إياه”(16).
في حين نجد أن الفقه قد اختلف في محاولاته لوضع تعريف لحقوق الإنسان ، فقد عرفها البعض بأنها : ” مكنات طبيعية اقتضتها طبيعة آدمية الإنسان الروحية والعقلية والغريزية والمادية الجسدية ” (17).
فيما عرفها البعض الآخر بأنها : ” الحقوق التي يعتقد أن كل البشر ينبغي أن يتمتعوا بها لأنهم آدميون ، وينطبق عليهم الشرط الإنساني ، أي أن هذه الحقوق ليست منحة من أحد ، ولا يستأذن فيها من السلطة ، وهذه الأخيرة لاتمنحها ولا تمنعها “.(18)
ووردت في تعريف آخر بأنها : ” مجموعة الحقوق الطبيعية التي يمتلكها الإنسان واللصيقة بطبيعته ، والتي تظل موجودة وان لم يتم الاعتراف بها ، بل أكثر من ذلك حتى ولو انتهكت من قبل سلطة ما ” .(19) ويذهب فريق من الباحثين الى القول بأن مصطلح حقوق الإنسان يتسع ليشمل جميع المفاهيم التي كانت تدل عليها المصطلحات التي تداولتها الدساتير والقوانين الوطنية في القرن التاسع عشر (20) وامتداد النصف الثاني من القرن العشرين مثل مصطلح ( الحريات الخاصة ) الذي يشمل الحريات المدنية : حرية التملك وحرية التعاقد وحرية العمل وغيرها . ومصطلح (الحريات العامة ) الذي يشمل الحريات السياسية كحرية التجمع وحرية تأسيس الجمعيات وحرية الصحافة (21).وذهب فريق آخر الى القول بأن حقوق الإنسان واحدة لكل سكان العالم وفي أي بقعة منه بغض النظر عن العنصر أو الجنس أو الدين أو اللغة أو القومية أو الرأي السياسي أو أي رأي آخر … أو الأصل الوطني أو الاجتماعي (22) وهي بذلك أصبحت حقوق عالمية نظرا لـ :
اولا- إن هذه الحقوق هي مشتركات إنسانية تكاد لاتختلف من بلد الى آخر .ثانيا – إن هذه الحقوق تحضى باهتمام عالمي وتتداول في أروقة المنظمات الدولية والإقليمية والوطنية ،ولم يعد بإمكان أي دولة إنكار تلك الحقوق أو تجاهلها لأنها أصبحت تمتع بضمانات دولية لحمايتها .
4
ومع الإقرار بصعوبة وضع تعريف جامع مانع لحقوق الإنسان،إلا إنها مع ذلك فهي حقوق قانونية مكفولة لأي شخص بوصفه كائنا بشريا .
خصائص حقوق الإنسان :
تتميز حقوق الإنسان بخصائص تميزها عن سائر الحقوق المتعارف عليها في علم القانون ، كالحقوق العينية والحـــــــــــــقوق الشخصية وغيرها ، ومن أبــــــرز هذه الخصائص :- (23)
اولا- حقوق الإنسان لا تشترى ولا تكتسب ولا تورث ، فهي ببساطة ملك الناس لأنهم بشر .. فحقوق الإنسان متأصلة في كل فرد.
ثانيا- حقوق الإنسان واحدة لجميع البشر بغض النظر عن العنصر أو الجنس أو الدين أو الرأي السياسي أو أي رأي آخر ، أو الأصل الوطني أو الاجتماعي . وقد ولدنا جميعنا أحرارا متساوين في الكرامة والحقوق .. فحقوق الإنسان عالمية .
ثالثا- حقوق الإنسان لا يمكن انتزاعها ؛ فليس من حق أحد أن يحرم شخصا من حقوقه كانسان حتى ولو لم تعترف بها قوانين بلده ، أو عندما تنتهكها تلك القوانين .. فحقوق الإنسان ثابتة وغير قابلة للتصرف .
رابعا- كي يعيش جميع الناس بكرامة فانه يحق لهم أن يتمتعوا بالحرية والأمن ، وبمستويات معيشة لائقة ، فحقوق الإنسان غير قابلة للتجزئة .
خامسا- حقوق الإنسان تتميز بالفاعلية في الدول الديمقراطية ، بمعنى أن الدولة تحرص على تحويل المبادئ النظرية لحقوق الإنسان الى واقع فعلي يحس به الناس في حياتهم اليومية ، وتحرص كل سلطات الدولة على الحفاظ عليها وعدم السماح بانتهاكها ، على عكس الدول غير الديمقراطية التي تكتفي بتزيين دساتيرها وقوانينها بالنص على أسمى مفاهيم حقوق الإنسان دون تفعيل حقيقي لها ، بل على العكس من ذلك تنتهك هذه الحقوق بأبشع الصور .
وفي ضوء التطور الذي رافق حركة حقوق الإنسان ، فقد تم تصنيفها الى ثلاث أجيال متعاقبة رئيسة : حقوق مدنية وسياسية ( الجيل الأول من حقوق الإنسان ) ، وحقوق اقتصادية واجتماعية وثقافية (الجيل الثاني ) ،وحقوق جماعية على مستوى أنساني ( الجيل الثالث – جيل حقوق التضامن كالحق في السلم والأمن والتنمية والبيئة السليمة )،وهذا التصنيف لايعدو أن يكون إلا وصفا للحالة العامة لتطور هذه الحقوق في الفكر القانوني والسياسي ، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية على أقل تقدير (24) وهكذا بعد الحرب العالمية الثانية تأكد المجتمع الدولي وبقناعة تامة من أن لا سلم ولا رخاء ولا طمأنينة إلا باحترام حقوق الإنسان (25).
حقوق الإنسان في الدستور
يعد دستور جمهورية العراق لسنة 2005 أعلى وثيقة في مجال احترام حقوق الإنسان في العراق وحمايتها ، إذ أكد على جملة معايير حقوق الإنسان ومبادئها الواردة في الاتفاقيات الدولية في العديد من أبوابه ، ولاسيما الباب الثاني ( الحقوق والحريات : المادة 14 – المادة (16
5
ومن أهم ما رسخه الدستور في مجال حقوق الإنسان (26):
اولا- مبدأ المساواة وعدم التمييز والمواطنة ، المادة (14)
ثانيا- الحق في الحياة والأمن والحرية ، المادة (15).
ثالثا- الحق في تكافؤ الفرص ، المادة (16).
رابعا- الحق في الخصوصية الشخصية وحرمة المساكن ، المادة (17).
خامسا- الحق في الجنسية ، المادة (18). ويعتبر عراقيا من ولد لأب عراقي أو لأم عراقية ، وتم تشريع قانون الجنسية الجديد استنادا الى هذه المادة الدستورية ، لاغيا القانون القديم الذي حصر منح الجنسية بمن ولدوا من أب وأم عراقيين” .
سادسا- استقلالية القضاء ومبادئ المحاكمة العادلة ، المادة (19).
سابعا- حق المشاركة في الشؤون العامة والتمتع بالحقوق السياسية للرجال والنساء بما فيها حق التصويت والانتخاب والترشيح ، المادة(20).
ثامنا- الحق في اللجوء السياسي وحظر تسليم اللاجئ السياسي الى جهة أجنبية أو إعادته قسرا الى البلد الذي فر منه ، المادة (21).
36- 22 أمــــــــــا المــــــــــــــواد فقد كــفلت الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية على نحو يتطابق مع الشرعة الدولية لحقوق الإنسان والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ، بما فيها حقوق الملكية ، والعمل والصحة والبيئة والسكن وتكوين الأســــرة والتعليم. فيما كفلت المواد 37 – 46 الحقوق الأساسية والحريات العامة ،بما فيها حظر التعذيب والعمل ألقسري والعبودية والحق في حرية التعبير عن الرأي والاجتماع والتظاهر السلمي وتأسيس الجمعيات والأحزاب السياسية وحرية التنقل وحرية الفكر والضمير والعقيدة والحق في الانتخاب والحق في الترشيح لإشغال الوظائف العامة والحق في المشاركة في الحياة السياسية وتعزيز دور مؤسسات المجتمع المدني ودعمها وكذلك حرية العبادة . ومع أهمية ماتقدم ، فلابد من الإقرار بأن مفهوم حقوق الإنسان كان غائبا عن الساحة السياسية والثقافية العربية والعراقية لقرون عدة من الزمن بفعل ما تعرضت له من احتلالات خارجية ؛ ترافق هذا الغياب مع مرحلة حروب التحرير الوطنية التي ركزت على مطلب الاستقلال مطلع القرن العشرين وما أعقبها ، ثم عملية تدعيم الاستقلال الوطني وتشكيل الدولة الحديثة ، كل ذلك يدفع الى الاعتراف بكل صراحة وجرأة : إن سبب فشل النظم السياسية العربية كان راجعا الى إهمالها القضية الأساسية التي لايمكن أن تنجح بدونها وهي قضية حقوق الإنسان العربي فيما عليه من واجبات وماله من حقوق (27).
ومما يؤكد ذلك أن قدرا كبيرا من أسباب الهزائم العسكرية والسياسية التي أصابت النظم السياسية العربية والعراقية منها ؛ فضلا عن اليأس الذي خيم على نفس المواطن العربي والعراقي أيضا، إنما يعود أساسا الى حرمان هذا المواطن من عدد كبير من حقوقه وحرياته الأساسية ، أو وقوعه تحت وطأة الخوف الدائم من فقدان الحد الأدنى المتوافر له من بعضها ؛ فضلا عن القصور الذاتي الذي تميزت به الحركات والأحزاب السياسية العربية والعراقية منها والأخطاء التي ارتكبتها خلال النصف الثاني من القرن العشرين (28).
6
وفي ضوء ذلك يمكن القول ، إن انتفاضة شعوب العديد من الدول العربية ضد حكامها فيما سمي بالربـــيع العربي مـــــــــــطلع 2012 – 2011 خير مثال كرد فعل شعبي وطني رافض لتلك النظم السياسية العربية نتيجة تغيبها لحقوق الإنسان وحرمان المواطنين من التمتع بها ؛ في ظل تزايد أعداد الخريجين الجامعيين وتصاعد معدلات البطالة وصور الحياة التي أفصحت عنها الثورة المعلوماتية والقنوات الفضائية ووسائل الاتصال الحديثة في عالم الشمال بالمقارنة الى ماهو واقع الحال المزري في بلداهم ،كل ذلك شكل حافزا للمطالبة بحقوقهم المهدورة من قبل حكوماتهم والانتفاضة عليها ، وبتقديري أن هذه الانتفاضات سجلت الخطوة الأولى على درب ثورة حقوق الإنسان إن جاز التعبير ؛ وعليه فالثورة في واقع الأمر شرعت للتو .
دور الجامعة في نشر ثقافة
حقوق الإنسان
قراءة معاصرة -1- الجامعة ونشر ثقافة حقوق الإنسان – مقالات – محمود صالح الكروي
مقدمة
ما زالت حركة حقوق الإنسان في الوطن العربي حركة وليدة وجديدة ، ومنذ مايقارب أكثر من خمسة عقود من الزمن لم يكن هناك جمعية واحدة لحقوق الإنسان في الوطن العربي . والجامعة العربية التي تأسست في 22 آذار/ مارس 1945 كمنظمة إقليمية ، مثلث العرب لم يتضمن ميثاقها أية إشارة لحقوق الإنسان ، ومرد ذلك يعود الى أن الشعب العربي – والعراق منه – عاش قرونا طويلة من الاستبداد السياسي والتخلف بفعل الاحتلال العثماني والأوربي فيما بعد ، لذلك كان اقل المناطق تأثرا واستجابة لنهوض حركة حقوق الإنسان . في حين أن العالم المعاصر شهد ويشهد تحولات مستمرة وسريعة التقدم وفي مجالات متزايدة التنوع في العلوم الصرفة والإنسانية في ظل صيانة وضمان حقوق الإنسان وتطبيقها ، يترافق ذلك وكثافة المبادلات والتأثيرات فيما بين الثقافات . وأمام هكذا تحولات ، فالواجب الوطني يضع مسؤولية كبيرة على عاتق مؤسسات التربية والتعليم في العراق ومنها الجامعة في النهوض بنشر ثقافة حقوق الإنسان من اجل مواكبة تطور النظم السياسية في العالم المعاصر، وهذه المسؤولية تتطلب تظافر الجهود من أجل انجازها كونها مهمة مزدوجة تدخل في عداد تحديات المستقبل. من هذا المنطق جاء اختياري للبحث بعنوان ( الجامعة ونشر ثقافة حقوق الإنسان …قراءة معاصرة) ، استلهمت أفكاره من واقع تجربتي الأكاديمية في الجامعة ؛ ومن تدريسي لهذا الموضوع ، وهو موضوع مهم سيبقى بحاجة الى مزيد من البحث والتقصي والمواكبة من أجل وضع الحلول التي تكرس حقوق الإنسان وضمان حمايتها في العراق . الغاية من كتابة هذا البحث أن يكون إسهاما في الجهود الرامية الى تفعيل” الخطة الوطنية لحقوق الإنسان في العراق التي أعتمدها مجلس الوزراء”(1 ) فهو لا يتناول حقوق الإنسان من زاوية قانونية ، ولا بالتذكير بعهود ومواثيق حقوق الإنسان ، ولا يتعرض للسياسات والممارسات في مجال حقوق الإنسان ، ولا برصد انتهاكها ، وإنما البحث معني أساسا بمهمات الجامعة في نشر ثقافة حقوق الإنسان وتطبيقاتها من خلال خلق الوسائط والبيئات العلمية والاجتماعية القادرة على حمل الرسالة اليومية لحقوق الإنسان . ينطلق البحث من فرضية مفادها : هل إن الجامعة أسهمت في مهمة نشر ثقافة حقوق الإنسان وتطبيقاتها ؟ ، ومدى درجة هذا الإسهام ؟، مع بيان أهم المعوقات التي واجهة هذه المهمة
1
النبيلة ؟، وكيفية تجاوزها والارتقاء بها ؟.
وفي ضوء ذلك ، ركز البحث على تعريف مفهوم الجامعة وبيان وظائفها ؛ ومفهوم حقوق الإنسان ، تعريفها ، خصائصها ، مع ذكر أهم المواد الدستورية التي وردت في دستور جمهورية العراق لسنة 2005 فيما يتعلق بحقوق الإنسان . ومن ثم بيان دور الجامعة في نشر ثقافة حقوق الإنسان ، وماهي المعوقات التي واجهتها في أداء هذه المهمة ، مع الإشارة الى أهمية هذه المهمة في الإسهام بتحقيق التقدم الاقتصادي والفكري والاجتماعي ، وبالمحصلة تحقيق الاستقرار السياسي وضمان الأمن الإنساني .عزز البحث بتوصيات من أجل أرتقاء الجامعة بمهمة نشر وتعزيز ثقافة حقوق الإنسان وضمان التمتع بها .
مفهوم الجامعة .
إن الجامعة بمفهومها الحديث، ووظائفها المتعددة لم تكن وليدة اليوم ، ولا الأمس القريب ،وإنما جاءت نتيجة لتاريخ طويل ترك من خلفه جذورا ، وفكرا ، وعملا ، وممارسات . ولذلك فالجامعة تعرف : بأنها مؤسسة تعليمية ذات تاريخ عريق لها أهدافها المتميزة فضلا عن تقاليدها ، العلم محور عملها من حيث البحث فيه والإضافة إليه والمحافظة عليه وتحقيق استمراره وذلك بنقله وتعليمه للأجيال الجديدة الراغبة في الحصول عليه لما يضفيه هذا عليهم من مميزات اجتماعية ، ولما يمثله هذا العلم من أهمية للمجتمع على الخصوص وللبشرية جمعاء (2)
وتعرف الجامعة : بأنها مؤسسة علمية مستقلة ذات هيكل تنظيمي معين وأنظمة وأعراف وتقاليد أكاديمية معينة ، وتتمثل وظائفها الرئيسية في التدريس ( إعداد الكوادر البشرية ) والبحث العلمي وخدمة المجتمع ، وتتألف من مجموعة من الكليات والأقسام ذات الطبيعة العلمية التخصصية وتقدم برامج دراسية متنوعة في تخصصات مختلفة منها ماهو على مستوى البكالوريوس، ومنها ماهو على مستوى الدراسات العليا تمنح بموجبها شهادات علمية للطلاب (3) كما تعرف الجامعة أيضا : بأنها مؤسسة مجتمعية تفاعلية تمارس التأثير في مجتمعها وتتأثر بكل ما يواجهه من تحديات محلية وإقليمية وعالمية (4) وهناك من يعرفها على إنها تمثل مجتمعا علميا يهتم بالبحث عن الحقيقة وأن وظائفها الأساسية تتمثل في التعليم والبحث العلمي وخدمة المجتمع الذي يحيط بها(5). وتسهم الجامعة في وظائف أخرى كنقل المجتمع من التخلف الى التقدم والحداثة ، ونقل الاتجاهات والمهارات العلمية من مجتمع الى آخر ومن جيل الى جيل ، وبذلك تعمل على إنماء المعرفة العلمية ،وتنمية روح البحث الأكاديمي وترسيخ القيم الخلقية في أفراد الجيل الآتي ، وتطوير قابليات الطلبة والمتلقين وتنمية قدراتهم وتعزيز شخصياتهم العلمية ، ورفع درجة ولائهم الوطني .(6)
وفي هذا المعنى، وفي ظل التطور العلمي المتسارع وثورة تكنولوجيا الاتصال والمعلومات التي اختزلت الزمان والمكان ، يمكن إيجاز وظائف الجامعة بالآتي :(7)
2
اولا- إعداد الكوادر البشرية في مختلف التخصصات العلمية والإنسانية ، والكوادر المؤهلة لممارسة عملية التدريس والبحث الجامعيين .
ثانيا- ممارسة الدور القيادي في البحث العلمي في ظل التطور التقني وثورة الاتصالات والمعلومات ، أو الاستشارة في تنظيم المعرفة الإنسانية .
ثالثا- التفاعل مع مختلف قضايا المجتمع والبيئة المحلية .
رابعا- جعل الفرد / الطالب عضوا مشاركا بايجابية في المجتمع.
خامسا- توظيف نتائج البحث العلمي بما يخدم عمليات التنمية الوطنية ، وبما يسهم في تقديم الحلول للمشكلات التي تعاني منها الأوطــــــــــــان على نحو خــــــــاص والإنســـــــانية عمــوما.
حقوق الإنسان .
يعد موضوع حقوق الإنسان من المواضيع الشائكة ، لأنه موضوع واسع في مضمونه ، خطير في آثاره ؛ إذ شغل أذهان الفلاسفة وفقهاء القانون وعلماء ورجال الدين والسياسة والاجتماع والمؤرخين ؛ وكان ولازال محور نقاش وصراع ( ( 8 نظرا لشموله على مجموعة كبيرة من الحقوق سواء المدنية أو السياسية ، أو الاجتماعية أو الاقتصادية . علما أن الدين الإسلامي بوصفه المنطلق الأساس في الرؤية العربية أبتداءا وانتهاء – هو دين حقوق الإنسان ، وهو أول من قدس هذه الحقوق معتبرا أن الاعتداء عليها يرقى في بعض الأحوال الى حد الاعتداء على الناس جميعا – )انه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا )( (9 وبموجب ذلك وضعت الشريعة الإسلامية نظاما متكاملا لحماية حقوق الإنسان لايدانيه أي نظام مهما علا في إنسانيته (10) وتنبع خطورة موضوع حقوق الإنسان من تدخله في حياة الإنسان اليومية ، وفي نشاطاته المختلفة وعلاقته الفردية والذهنية بالآخرين وبالسلطة القائمة على أمر الجماعة ، وأي إنكار لحق من تلك الحقوق في النهاية إنكار لوجود الفرد ولكرامته ونفي لشـــرعية وجود الدولة نفســـــــــــها .(11) ورغم خطورة حقوق الإنسان إلا إن المواثيق والمعاهدات الدولية لم تضع تعريفا لها، فنجد أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان قد اقتصر في ديباجته على التأكيد بان الاعتراف بالكرامة المتأصلة في جميع أعضاء الأسرة البشرية وبحقوقهم المتساوية الثابتة هو أساس الحق والعدل والسلام في العالم ، كما أكد على ضرورة وجود حماية قانونية لحقوق الإنسان ، إذ أريد للبشر ألا يضطروا آخر الأمر الى التمرد على الطـــــــــغيان والاضطهاد (12).
مفهوم حقوق الإنسان .
ونحن نرصد مفهوم حقوق الإنسان ينبـــــــغي أن نعطي تعريفا أوليا له لغة واصطلاحا فهو:-
اولا- تعريف الحق لغة : “حق الأمر وحقوقا صح وثبت وصدق” (13) هو ” الثابت الذي لايسوغ أفكاره، واليقين بعد الشك، والواجب والعدل والأمر المقضي ، والحال “((14والملك ، وصدق
3
الحديث ، وهو أسم من أسماء الله تعالى أومن صفاته .(15)
الحق في الفرنسية : Droit Vrai وفي الإنكليزية :Right Truth True وفي اللاتينية : Jus Verus .
تعريف الحق اصطلاحا :
اولا- يطلق الحق في الفلسفة العربية على الوجود في الأعيان ، أو على الوجود الدائم أو على مطابقة الحكم للواقع ، الحق في اصطلاح أهل المعاني هو ” الحكم المطابق للواقع ، ويطلق على الأقوال والعقائد والأديان والمذاهب باعتبار اشتمالها على ذلك ، ويقابله الكذب ، وقد يفرق بينهما بأن المطابقة تعتبر الحق من جانب الواقع ، وفي الصدق من جانب الحكم فمعنى صدق الحكم مطابقته للواقع ومعنى حقيقته مطابقة الواقع إياه”(16).
في حين نجد أن الفقه قد اختلف في محاولاته لوضع تعريف لحقوق الإنسان ، فقد عرفها البعض بأنها : ” مكنات طبيعية اقتضتها طبيعة آدمية الإنسان الروحية والعقلية والغريزية والمادية الجسدية ” (17).
فيما عرفها البعض الآخر بأنها : ” الحقوق التي يعتقد أن كل البشر ينبغي أن يتمتعوا بها لأنهم آدميون ، وينطبق عليهم الشرط الإنساني ، أي أن هذه الحقوق ليست منحة من أحد ، ولا يستأذن فيها من السلطة ، وهذه الأخيرة لاتمنحها ولا تمنعها “.(18)
ووردت في تعريف آخر بأنها : ” مجموعة الحقوق الطبيعية التي يمتلكها الإنسان واللصيقة بطبيعته ، والتي تظل موجودة وان لم يتم الاعتراف بها ، بل أكثر من ذلك حتى ولو انتهكت من قبل سلطة ما ” .(19) ويذهب فريق من الباحثين الى القول بأن مصطلح حقوق الإنسان يتسع ليشمل جميع المفاهيم التي كانت تدل عليها المصطلحات التي تداولتها الدساتير والقوانين الوطنية في القرن التاسع عشر (20) وامتداد النصف الثاني من القرن العشرين مثل مصطلح ( الحريات الخاصة ) الذي يشمل الحريات المدنية : حرية التملك وحرية التعاقد وحرية العمل وغيرها . ومصطلح (الحريات العامة ) الذي يشمل الحريات السياسية كحرية التجمع وحرية تأسيس الجمعيات وحرية الصحافة (21).وذهب فريق آخر الى القول بأن حقوق الإنسان واحدة لكل سكان العالم وفي أي بقعة منه بغض النظر عن العنصر أو الجنس أو الدين أو اللغة أو القومية أو الرأي السياسي أو أي رأي آخر … أو الأصل الوطني أو الاجتماعي (22) وهي بذلك أصبحت حقوق عالمية نظرا لـ :
اولا- إن هذه الحقوق هي مشتركات إنسانية تكاد لاتختلف من بلد الى آخر .ثانيا – إن هذه الحقوق تحضى باهتمام عالمي وتتداول في أروقة المنظمات الدولية والإقليمية والوطنية ،ولم يعد بإمكان أي دولة إنكار تلك الحقوق أو تجاهلها لأنها أصبحت تمتع بضمانات دولية لحمايتها .
4
ومع الإقرار بصعوبة وضع تعريف جامع مانع لحقوق الإنسان،إلا إنها مع ذلك فهي حقوق قانونية مكفولة لأي شخص بوصفه كائنا بشريا .
خصائص حقوق الإنسان :
تتميز حقوق الإنسان بخصائص تميزها عن سائر الحقوق المتعارف عليها في علم القانون ، كالحقوق العينية والحـــــــــــــقوق الشخصية وغيرها ، ومن أبــــــرز هذه الخصائص :- (23)
اولا- حقوق الإنسان لا تشترى ولا تكتسب ولا تورث ، فهي ببساطة ملك الناس لأنهم بشر .. فحقوق الإنسان متأصلة في كل فرد.
ثانيا- حقوق الإنسان واحدة لجميع البشر بغض النظر عن العنصر أو الجنس أو الدين أو الرأي السياسي أو أي رأي آخر ، أو الأصل الوطني أو الاجتماعي . وقد ولدنا جميعنا أحرارا متساوين في الكرامة والحقوق .. فحقوق الإنسان عالمية .
ثالثا- حقوق الإنسان لا يمكن انتزاعها ؛ فليس من حق أحد أن يحرم شخصا من حقوقه كانسان حتى ولو لم تعترف بها قوانين بلده ، أو عندما تنتهكها تلك القوانين .. فحقوق الإنسان ثابتة وغير قابلة للتصرف .
رابعا- كي يعيش جميع الناس بكرامة فانه يحق لهم أن يتمتعوا بالحرية والأمن ، وبمستويات معيشة لائقة ، فحقوق الإنسان غير قابلة للتجزئة .
خامسا- حقوق الإنسان تتميز بالفاعلية في الدول الديمقراطية ، بمعنى أن الدولة تحرص على تحويل المبادئ النظرية لحقوق الإنسان الى واقع فعلي يحس به الناس في حياتهم اليومية ، وتحرص كل سلطات الدولة على الحفاظ عليها وعدم السماح بانتهاكها ، على عكس الدول غير الديمقراطية التي تكتفي بتزيين دساتيرها وقوانينها بالنص على أسمى مفاهيم حقوق الإنسان دون تفعيل حقيقي لها ، بل على العكس من ذلك تنتهك هذه الحقوق بأبشع الصور .
وفي ضوء التطور الذي رافق حركة حقوق الإنسان ، فقد تم تصنيفها الى ثلاث أجيال متعاقبة رئيسة : حقوق مدنية وسياسية ( الجيل الأول من حقوق الإنسان ) ، وحقوق اقتصادية واجتماعية وثقافية (الجيل الثاني ) ،وحقوق جماعية على مستوى أنساني ( الجيل الثالث – جيل حقوق التضامن كالحق في السلم والأمن والتنمية والبيئة السليمة )،وهذا التصنيف لايعدو أن يكون إلا وصفا للحالة العامة لتطور هذه الحقوق في الفكر القانوني والسياسي ، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية على أقل تقدير (24) وهكذا بعد الحرب العالمية الثانية تأكد المجتمع الدولي وبقناعة تامة من أن لا سلم ولا رخاء ولا طمأنينة إلا باحترام حقوق الإنسان (25).
حقوق الإنسان في الدستور
يعد دستور جمهورية العراق لسنة 2005 أعلى وثيقة في مجال احترام حقوق الإنسان في العراق وحمايتها ، إذ أكد على جملة معايير حقوق الإنسان ومبادئها الواردة في الاتفاقيات الدولية في العديد من أبوابه ، ولاسيما الباب الثاني ( الحقوق والحريات : المادة 14 – المادة (16
5
ومن أهم ما رسخه الدستور في مجال حقوق الإنسان (26):
اولا- مبدأ المساواة وعدم التمييز والمواطنة ، المادة (14)
ثانيا- الحق في الحياة والأمن والحرية ، المادة (15).
ثالثا- الحق في تكافؤ الفرص ، المادة (16).
رابعا- الحق في الخصوصية الشخصية وحرمة المساكن ، المادة (17).
خامسا- الحق في الجنسية ، المادة (18). ويعتبر عراقيا من ولد لأب عراقي أو لأم عراقية ، وتم تشريع قانون الجنسية الجديد استنادا الى هذه المادة الدستورية ، لاغيا القانون القديم الذي حصر منح الجنسية بمن ولدوا من أب وأم عراقيين” .
سادسا- استقلالية القضاء ومبادئ المحاكمة العادلة ، المادة (19).
سابعا- حق المشاركة في الشؤون العامة والتمتع بالحقوق السياسية للرجال والنساء بما فيها حق التصويت والانتخاب والترشيح ، المادة(20).
ثامنا- الحق في اللجوء السياسي وحظر تسليم اللاجئ السياسي الى جهة أجنبية أو إعادته قسرا الى البلد الذي فر منه ، المادة (21).
36- 22 أمــــــــــا المــــــــــــــواد فقد كــفلت الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية على نحو يتطابق مع الشرعة الدولية لحقوق الإنسان والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ، بما فيها حقوق الملكية ، والعمل والصحة والبيئة والسكن وتكوين الأســــرة والتعليم. فيما كفلت المواد 37 – 46 الحقوق الأساسية والحريات العامة ،بما فيها حظر التعذيب والعمل ألقسري والعبودية والحق في حرية التعبير عن الرأي والاجتماع والتظاهر السلمي وتأسيس الجمعيات والأحزاب السياسية وحرية التنقل وحرية الفكر والضمير والعقيدة والحق في الانتخاب والحق في الترشيح لإشغال الوظائف العامة والحق في المشاركة في الحياة السياسية وتعزيز دور مؤسسات المجتمع المدني ودعمها وكذلك حرية العبادة . ومع أهمية ماتقدم ، فلابد من الإقرار بأن مفهوم حقوق الإنسان كان غائبا عن الساحة السياسية والثقافية العربية والعراقية لقرون عدة من الزمن بفعل ما تعرضت له من احتلالات خارجية ؛ ترافق هذا الغياب مع مرحلة حروب التحرير الوطنية التي ركزت على مطلب الاستقلال مطلع القرن العشرين وما أعقبها ، ثم عملية تدعيم الاستقلال الوطني وتشكيل الدولة الحديثة ، كل ذلك يدفع الى الاعتراف بكل صراحة وجرأة : إن سبب فشل النظم السياسية العربية كان راجعا الى إهمالها القضية الأساسية التي لايمكن أن تنجح بدونها وهي قضية حقوق الإنسان العربي فيما عليه من واجبات وماله من حقوق (27).
ومما يؤكد ذلك أن قدرا كبيرا من أسباب الهزائم العسكرية والسياسية التي أصابت النظم السياسية العربية والعراقية منها ؛ فضلا عن اليأس الذي خيم على نفس المواطن العربي والعراقي أيضا، إنما يعود أساسا الى حرمان هذا المواطن من عدد كبير من حقوقه وحرياته الأساسية ، أو وقوعه تحت وطأة الخوف الدائم من فقدان الحد الأدنى المتوافر له من بعضها ؛ فضلا عن القصور الذاتي الذي تميزت به الحركات والأحزاب السياسية العربية والعراقية منها والأخطاء التي ارتكبتها خلال النصف الثاني من القرن العشرين (28).
6
وفي ضوء ذلك يمكن القول ، إن انتفاضة شعوب العديد من الدول العربية ضد حكامها فيما سمي بالربـــيع العربي مـــــــــــطلع 2012 – 2011 خير مثال كرد فعل شعبي وطني رافض لتلك النظم السياسية العربية نتيجة تغيبها لحقوق الإنسان وحرمان المواطنين من التمتع بها ؛ في ظل تزايد أعداد الخريجين الجامعيين وتصاعد معدلات البطالة وصور الحياة التي أفصحت عنها الثورة المعلوماتية والقنوات الفضائية ووسائل الاتصال الحديثة في عالم الشمال بالمقارنة الى ماهو واقع الحال المزري في بلداهم ،كل ذلك شكل حافزا للمطالبة بحقوقهم المهدورة من قبل حكوماتهم والانتفاضة عليها ، وبتقديري أن هذه الانتفاضات سجلت الخطوة الأولى على درب ثورة حقوق الإنسان إن جاز التعبير ؛ وعليه فالثورة في واقع الأمر شرعت للتو .
دور الجامعة في نشر ثقافة
حقوق الإنسان
إن النظام التربوي في العراق وتحديدا في الدراسة الثانوية ؛ أي في التعليم العام لا يسمح بأعداد طالب ما قبل ( الجامعة ) فيما يتعلق بمادة حقوق الإنسان في الوقت الحاضر ، على رغم مما تضمنته مناهج التربية الوطنية من موضوعات حول حقوق الإنـــــــــسان في السنوات الأخيرة.ذلك أن موضوع حقوق الإنسان أصبح اليوم يشكل هاجسا عند الجامعيين وعلماء ورجال الدين والسياسة والأعلام ، لما يتمتع به من رصيد معنوي يحظى بأهمية متنامية لدى الدارسين والباحثين ، بعد إن اكتسح خطاب حقوق الإنسان ساحة الفكر السياسي بشقيه الداخلي والدولي وتركيزه في المطالبة بحقوق الإنسان وتجسيدها القانوني وعلى وجوب تنظيمها وفقا لآليات لازمة لمواجهة التجاوزات والحد من الخروقات (29). وتعد الجامعة – في النظم السياسية الديمقراطية – احدى أهم قنوات التنشئة على الوعي بممارسة الحقوق والواجبات ، والالتزام بممارستها في إطار القانون ، كما تسهم في تربية المواطن الصالح وتنمية قيمة الانتماء لوطنه (30).
مقالات اخرى للكاتب