ماذا بعد ان دعى الرئيس التركي رجب طيب اردوغان الجمعة ان يعرض سريعا الاصلاح الدستوري الذي يعطي رئيس البلاد سلطات موسعة على استفتاء وذلك غداة اقصاء رئيس وزرائه احمد داود اوغلو الذي كان على خلاف معه حول هذا الملف .
التطورات الأخيرة في تركيا والخلافات بين الرئيس رجب طيب اردوغان ورئيس الوزراء احمد داوود اوغلو بعد ان عزم الاخيرتقديم استقالته من رئاسة الوزراء في مؤتمر صحفي عقده الخميس الماضي، عقب ترؤسه اجتماعاً لمجلس إدارة حزب العدالة والتنمية ،هذا القرار سيسهم في جر البلاد الى عدم الاستقرار. الخلافات من الشدة حيث ان الرئيس التركي يتهم اوغلو بعدم الالتزام بشرطين وضعهما لتسليمه زعامة حزب العدالة والتنمية، وهما إقرار نظام حكم رئاسي والامتناع عن التعاون مع الغرب الذي لم يعد يقبل سياسية تركية الحالية ، مستغلاً الملفين السوري والفلسطيني للاطاحة بالرئيس رجب طيب اردوغان الذي حمّل رئيس الحكومة مسؤولية تدهور الملف السوري، متهماً إياه بالتفريط في الملف الكردي، وبالتواطؤ أحياناً مع "مؤامرات جماعة الداعية المعارض فتح الله غولن، في محاولات إلصاق تهم فساد بأردوغان وعائلته.
أن الخلاف بين الرجلين ليس جديدا .و أهم العناوين التي سبّبت الخلاف بين أردوغان وداود أوغلو هو النظام الرئاسي، حيث يرغب الرئيس التركي بشدة في إنشاء نظام حكم جديد في تركيا عوضاً عن النظام البرلماني الحالي، في حين عبّر داود أوغلو عن دعمه للنظام البرلماني، معتبراً أن الشعب لم يفوّض الحزب في تغيير نظام الحكم عند عدم تمكّن العدالة والتنمية من الحصول على الأغلبية العظمى في الانتخابات الماضية ، و يتمحور ايضاً حول قيادة حزب العدالة والتنمية، و أن هذا الخلاف تصاعد بعد النتائج غير المرضية التي حققها الحزب في الانتخابات البرلمانية التي أجريت في حزيران/ يونيو الماضيالعام الماضي ، قبل أن يحصل الحزب على الأغلبية الكافية بالانتخابات في تشرين الثاني/ نوفمبر 2015.
أن أردوغان يرى في نفسه هو الرجل الاقوى في البلاد والأكثر شعبية على مستوى الأتراك والمنطقة، وبالتالي فإن من حقه أن يفرض رؤيته على الحزب الحاكم. فيما ترى المجموعة القيادية الأخرى أن القيادة في الحزب يجب أن تسير وفق النظام والأعراف الحزبية التي تعطي لأوغلو الحق بتشكيل قيادة الحزب ورسم ملامح العمل الحكومي . انقرة لم تحسن علاقاتها مع الدول المجاورة مما يجعلها تبدو بشكل واخر كقوة اقليمية تحاول الهيمنة. وساهمت في التسبب بالضرر لسياسة البلد مع الخارج التي كانت واعدة في يوم من الايام وقد تدهورت العلاقات التركية مع جميع دول الجوار تقريباً. وفي الوقت نفسه، ازدادت حدة التوترات مع الولايات المتحدة الامريكية والاتحاد الاوروبي وروسيا. وإن كانت هناك اي قوة لها، فهي على الاغلب بسبب جغرافيتها
تركيا تعد غير امنة و تواجه صراعا متصاعدا بين الحزب الحاكم واحزاب المعارضة التي تعاني اليوم من الاعتداءات المتكرر عليها في البرلمان وهجمات من قبل مسلحي تنظيم "الدولة الإسلامية"، وأفواجا من المهاجرين واللاجئين ، واهم ما يواجهه أردوغان ثلاثة تحديات مترابطة من الصعوبة تجاوزها ٬ فهو يسعى وبشدة نحو تغيير دستوري من شأنه ان يسمح له بتركيز السلطات التنفيذية في الرئاسة، مما يسمح له بإدارة البلاد دون قيود مفروضة من مؤسسات الدولة. وان تصاعد الصراع مع الاكراد من شأنه ان يهدد بالانقطاع التام لعلاقة الاكراد مع الدولة التركية. والتحدي الاخر تدهور الوضع في سوريا الذي لا يهدد فقط بتزايد الصراع الكردي في تركيا بل سيضعف ايضاً العلاقات مع الولايات المتحدة الامريكية وحليفاتها الاوروبيين ، حيث تقوم واشنطن بتعزيزعلاقاتها مع الاكراد السوريين ودعمهم .
وعلى مستوى الداخل ان الإنتخابات الرئاسية الأخيرة اثبتت ان هناك اكثر من نصف آخر كان يرى في اوردغان لايستطيع حل مشاكل الشعب، وغير قادر على حل أزمات البلاد بل سيفاقمها وسينقل تركيا من بلد يُعَول علي، في الغرب على تقديم نموذج معتدل يقف بالضد من حالة التشدد البارزة في مناطق أخرى قريبة منها، إلى بلد متورط في حروب الجوار والداخل وفوق كل هذا يطالبه الغربيون بحل القضايا الداخلية التي اخذت تزداد وتتفاقم بسبب السياسات الخاطئة و متاعب جديدة فوق المتاعب الحالية ،و حالة تذمر من حكم رجب أردوغان وخشيتهم من تحوله الى ديكتاتور مطلق او لتحقيق حلمه بان يكون سلطاناً جديداً قد يجره طموحه في التوسع الى كوارث تضاعف العبئ الموجود في المنطقة .هذا ما أكد عليه المدير الإقليمي لصحيفة “زمان” التركية في الشرق الأوسط تورجت كارمهمت أوغلو " ان ما يقرب من 65 بالمئة من الشعب التركي غير راض عن سياسة الحكومة التركية معتبرا أن سياسة الرئيس التركي رجب أردوغان أصبحت تشكل تهديداً لمصالح تركيا في المنطقة والعالم وانه لم يعد هناك استراتيجية واضحة للحكومة واردوغان باتت تصريحاته تعكس مواقف متضاربة" وكالة سبوتنيك الروسية في استطلاعا للرأي أجرتها داخل حزب العدالة والتنمية حول سياسة أردوغان " أظهر أن 45 بالمئة غير راضين عن سياسته وخصوصا السياسة الخارجية فيما يتعلق بدول الجوار وخصوصا مصر وروسيا وسورية والعراق مشيرة إلى أن باقي النسبة وهي 55 بالمئة مؤيدون نتيجة تعلق مصالحهم بسياسة الحكومة الحالية".
وفعلاً تعاني أنقرة في هذه الآونة من عدم استقرار امني وسياسي داخلي بعد الانتخابات الأخيرة وما أفرزته من قوى سياسية في البرلمان لأول مرّة في تاريخه بنسبة أعلى من المرّات السابقة لصالح المعارضة و تنامي وتيرة المواجهات العسكرية بين الأمن التركي والاحزاب الكوردية المعارضة التي تجابه ضغوطاً غير اعتيادية في البرلمان ومنها سياسة رفع الحصانة عن اعضائها ، مما يوحي الى انها ساهمت في تخبّط سياساتها الداخلية والخارجية خصوصا بعد تأكّد من صعوبة الحديث عن حلّ سياسي للازمة السورية وتصاعد القتال مع الاكراد المسلحين ( bkk (.حكومة أردوغان تريد شق وحدة صف المعارضة الكوردية على الاقل وهي من يتحمل ما يجري في شرق تركيا من صراع فيما هم يباركون كل عملية سياسية تستهدف إحلال السلام في مناطقهم وتوقف شبح الموت عن شبابهم.
وكانت المخاوف موجودة من توريط الجيش في حروب محلية وإذكاء فكرة استقلال المناطق الكردية عن البلاد أكدتها الصحافية ميفيس افين التي تم طردها من العمل بسبب مقابلة صحافية أجرتها مع عدد من الشخصيات كررت تلك المخاوف «الشعور الطاغي بالنصر في الانتخابات يقود الحكومة ومؤيديها الى تجاهل كل الأصوات المعتدلة التي تطالب بديمقرطية حقيقية للبلاد وإيجاد حل سلمي للقضية الكردية ومنح حرية أكبر للتعبير))
الشكوى الأبرز من نظامه تأتي من الصحافيين، ففي عهده تعرضت وسائل الإعلام المعارضة للمضايقات وتعرض الصحافيون العاملون فيها الى أشكال من القمع والتهديد كما يقول رئيس تحرير «توديز زمان» بيلن كنيش: «لا تريد الحكومة سماع أي نقد لها وإذا ما جاء هذا من وسيلة إعلامية ما فسيتعرض صاحبها الى الاعتقال ». في هذه الأثناء وخلال التصوير الخارجي بالقرب من جسر اسطنبول الأشهر تدخلت الشرطة واختلقت ذريعة لمنع استمرار التصوير. جاء تدخلهم ليؤكد كلام الصحافي المعارض بأن هناك حرباً منظمة ضدهم.اما سلامياً ً فان سياسية التطبيع مع الكيان الاسرائيلي التي تعمل عليه حكومة اوردغان سوف تثير مشاكل تطيح بعلاقاتها مع اكثر البلدان العربية والاسلامية .
العدالة والتنمية سيُعقد مؤتمر عام استثنائي للحزب في 22 مايو/أيار الجاري، وسيتم انتخاب زعيم جديد للحزب ليرأس الحكومة .و تركيا تتجه نحو انتخابات عامة مبكرة، سيحاول من خلالها حزب العدالة والتنمية الحصول على الأغلبية الكافية في البرلمان، التي سيتمكن من خلالها من تعديل الدستور دون الحاجة للذهاب إلى استفتاء عام حوله. وبالتي يصبح الطريق ممهداً نحو تغيير نظام الحكم في تركيا من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي الذي يهدف له الرئيس التركي رجب طيب أردوغان .
مقالات اخرى للكاتب