لا نغالي اذا قلنا ان الكرد الفيليون هم الشريحة الاكثر تضررآ من شرائح الشعب العراقي ابان حكم البعث الصدامي الى يومنا هذا, فقد كان الظلم مضاعفا عليهم من جهة كونهم كرداً, ولا يخفى على احد مقدار الحقد الذي كان صدام حسين يكنه للكرد, وليست مجزرة حلبجة البشعة الا احدى الشواهد على جرائمه بحق الشعب الكردي, يضاف الى ذلك الالاف من جرائم القتل والابادة والتهجير والانفال والمقابر الجماعية, وعلاوة على هذا فقد تحمل الكرد الفيليون الظلم مضاعفا كون غالبيتهم يتبعون مذهب الامام جعفر الصادق (ع) والذي يعرف اصطلاحاً بالمذهب الشيعي وجرائم النظام بحق الشيعة ماثلة الى العيان الى يومنا هذا من خلال المقابر الجماعية التي لم تنهتي مأساتها اهالي ضحاياها لحد الان.
بعض الصفات العامة للكرد الفيليين:
• الامانة والاخلاص, يشهد من تعامل مع الكرد الفيليين على اخلاصهم وتفانيهم في اعمالهم وما يؤتمنون عليه, وشاهد كبير على ذلك ان معظم الاحزاب الشيعية استغلت البسطاء من الفيليين من خلال الشعور المذهبي وحبهم لاهل البيت واستخدموهم في الحرب العراقية الايرانية في القتال ضد نظام صدام انطلاقا من ايران مستغلين حالة الحقد النفسي ضد النظام بسبب تهجيرهم فكانت الاحزاب تعرف ولائهم المطلق وعدم امكانية خيانتهم للامانة ولكنهم تركوهم مكشوفي الظهر عندما تحقق لهم ما ارادوا ووصلوا الى السطلة.
• حب السلام: ندر ما تجد كرديا فيليلاً عدوانيا او شريرا يرغب في الصراعات والمشاكل بشكل عام, فهم ميالون للسلام بشكل كبير بل احيانا بشكل مفرط حتى على حساب حقوقهم, ولكن لايمنع هذا من بروز فتوات فيلية في منطقة عقد الاكراد والقشل وقنبرعلي في بغداد في السبعينيات والذي شكلوا تحديا كبيرا لحزب البعث اشهرهم جبار كردي, ما دفع النظام الى القيام بسلسلة اغتيالات اتت على اخرهم.
• عدم التطرف قل ما تجد فيليا متطرفا دينياً بشكل عام الى الحد الذي يكون معه مستعدا لقتل من يختلف معه كما حدث اثناء فترةالقتل الطائفي في العراق, وهنا لابد من الاشارة ان محاولة الاحزاب الدينية في الشحن الطائفي نالت من الفيليين أيضاً شأنهم في ذلك شأن بقية الشعب العراقي ولكن كطبيعة غالبة فالفيليون كونهم كردا وشيعة لايمكن لهم التطرف مذهبيا كون غالبية ابناء قوميتهم من السنة ولا قومياً كون الشيعة في العراق هم من العرب, هذا التوازن المذهبي والقومي يمثل احدى اهم الصفات الاستراتيجية للكرد الفيليين التي لو استغلت بالشكل الصحيح لساهمت في تخفيف الكثير من التوترات السايسية في العراق.
• الكرم وهي صفة عامة في الشعب العراقي الا انها لدى الفيليون مفرطة الى حد الاسراف.
• المرأة الفيلية مخلصة ومحبة لزوجها واسترتها الى حد التفاني من اجلهم وقد تحملت من ظلم التهجير والترمل وفقدان الاحبة والفقر والفاقة بعد العز والرخاء ما لم تتحمله امرأة على وجه الارض ظلت صامدة شامخة شموخ نخيل العراق.
كان خطر الكرد الفيليين من وجهة نظر صدام حسين وحزبه الشوفيني يتمثل في عدة امور:
1. كونهم كردا فلا يمكن اقناعهم بالانتماء الى حزب عروبي قومي كحزب البعث رغم نجاح البعث في فترة لاحقة باكراه الكثير منهم بعد سلخ جلودهم على الانتماء للبعث حماية لانفسهم واسرهم.
2. كون غالبيتهم من الشيعة فلا يمكن اقناعهم بالولاء لحزب يعتبر نفسه جزءاً من الاسلام السني (مع الاعتذار لهذا التعبير لكن موضوعية الكتابة تحتم تسمية الاشياء بمسمياتها), رغم ان شر وجرائم صدام حسين قد طال الشيعة والسنة والعرب والكرد على حد سواء.
3. كون معظم رؤوس الاموال في منطقة الشورجة منذ الخمسينات ولغاية نهاية السبعينات كانت فيلية في الغالب, والتجار الكبار كانوا من الكرد الفيليين ومن غرائب وطرائف الاقدار انه حتى الحمالين الامناء كانوا من الكرد الفيلين الذين تميزوا بقوة بدنية نادرة, فكانت المعادلة على الاعم الاغلب اما صاحب الخزنة هو تاجر فيلي او من يحملها وينقلها من مكان الى اخر رغم ثقلها (قد تبلغ 350 كيلوا او اكثر) كان كرديا فيلياً, وقد كان معظم المؤتمنين على خزانات التجار وعلى خانات منطقة الشورجة وغيرها من الخانات والمخازن من الفيليين, وبذلك كان للكرد الفيليين تأثيرآ كبيراً على مجريات الحياة الاقتصادية في العاصمة بغداد.
4. عُرف الكرد الفيليون بالاخلاص والوفاء الشديد كما ذكرنا فلم يعرف عنهم الخيانة مطلقآ, وقد اجبرت الظروف ببعض ضعاف النفوس منهم الى الوشاية بابناء جلدتهم لوقاية انفسهم واسرهم من التهجير, وكانت قضية الامانة والاخلاص مقلقة بالنسبة للنظام فمن جهة استفاد النظام ممن استمال منهم حتى بلغ الامر ان المرافق الاول لصدام حسين انذاك المدعو صباح ميرزا كان فيلياً بحيث كان يحمي ظهر صدام حسين ولو لم يعرف عنهم الامانة لما وصل هذا الرجل الى هذا الموقع الخطير, ومن جهة اخرى فان عدم انخراط الفيليون في حزب البعث وتنظيماته الاخرى كان عنصر قلق لصدام وحزب البعث, اذا ظنوا ان ولاء الفيليين ان لم يكن للبعث فلابد ان يكون لجهة اخرى وهي اما القومية اي للكرد وقد خاض النظام حرباً شرسة ضدهم في السبعينيات او للمذهب الشيعي وكان النظام يقود حرباً مدمرة ضد ايران في الثمانينيات, حيث اعتبر صدام ان قيام ثورة دينية تحمل طابعاً مذهبياً ضيقاً بامكانه استغلال المذهب لدى شيعة العراق عموما والفيليين خصوصاً واعتبره بمثابة تهديداً مباشراً لحكم البعث في العراق وعليه فان دائرة الاتهام كانت كبيرة وواسعة ضد الكرد الفيليين.
5. لهجة الكرد الفيليون هي قريبة الى الفارسية في قسم من مقاطعها كون مناطق تواجد الكرد الفيليون ضمن كردستان الجنوبية او كردستان كلهر هي على الجانب العراقي جنوبا من البصرة (يقطنها لحد الان حوالي 400 عائلة فيلية) والعمارة وعلي الغربي وبدرة وزرباطية ومندلي وخانقين وبغداد وعلى الجانب الايراني تتوزع مناطقهم بين كرمانشاه وأيلام وخوزستان ومدنها من الشمال إلى الجنوب هي خسروي وقصر شيرين وكرمانشاه وإسلام أباد غرب وسربل زهاب وأيلام وبدرة الإيرانية ومهران وانديمشك ومدینه ملایر (راجع وكيبيديا) والتي تحاذي الجنوب العراقي وغيرها من الاقضية والقرى على الجانبين فاللهجة الفيلية اقرب الى الفارسية جنوبا وتتغيرقليلاً باتجاه السورانية نوعا ما شمالا, ولذك كان النظام البعثي يرى فيهم جناحا ايرانيا في العراق ويتهمهم بالاصول الفارسية رغم اختلاف العرقين اختلافاً جوهريا ونشوب حروبا دامية بين الكرد الفيليين والفرس على مدى الاف السنين كان اكبرها وليس اخرها المعركة التي قضى فيها الاخمينيون الفرس بقيادة الملك هيرادوس على مملكة ميديا الفيلية حوالي 600 قبل الميلاد وعندما قامت الامبراطورية الفارسية كانت تواجه عقبة اخضاع مناطق الفليين الى سلطتها وعدم قدرتها على وئد اجنحة المقاومة والتمرد فيها ولذلك كانت مناطق تواجد الفيليون تتقلص مع مرور الزمن ما تجبر بعضهم للتنقل ضمن مناطقهم بين العراق وايران بسبب الحروب قبل ظهور الحدود الجغرافية السياسية المعاصرة.
6. مناطق سكناهم التي ذكرناها انفا هي مناطق غنية بالثروات على طرفي الحدود وتحديدا النفط ولذلك كان الموضوع بالنسبة للانظمة المتاعقبة في العصر الحديث على طرفي الحدود ذو حساسية لاتقبل التهاون, اذ كان الجانب العراقي يطعن في نسبتهم العراقية وينعتهم بالفرس والجانب الايراني يطعن في ايرانيتهم وينسبهم الى العرب في محاولة وكانها متفق عليها من الجانبين لتشتيت شملهم وتمزيق نسيجهم الاجتماعي للحيلولة دون استقرارهم في مواطنهم الاصلية والسيطرة على ثروات هذه المناطق.
من كل هذا كان النظام شديد الكره لهم وحاول جاهدا ابادتهم ومسخ هويتهم القومية واكراههم على الطاعة والولاء ودفع الفيليون ثمنا باهضاً ندر ما يستطيع دفعه شعب او امة حيث ان العقود السابقة كانت شديدة القسوة عليهم لذلك حاول الكثير منهم ايجاد ملاذا امنا لهم ولاسرهم وابنائهم ونسائهم من القتل والتهجير ومصادرة الاموال والممتلكات ولذلك لجأ الكثيرين منهم الى عدة طرق لمحاولة عدم لفت الانظار الى هويتهم الفيلية الحقيقية ومن هذه الطرق:
• الانصهار في عشائر عربية وحمل اسم العشيرة الجديد من خلال توقيع معاهدة مع العشيرة على الدفاع عنها ودفع اية مستحقات عشائرية والمساهمة في احزانها وافراحها وهكذا تجد كرداً فيليين يحملون القاباً مثل الاسدي, الخزعلي, الراعي, الطائي, الحكيم, العبادي, الربيعي, الجميلي, الزهيري.. الى اخر تلك الالقاب العربية بل ذهب البعض الى ابعد من ذلك حيث لبس العقال وبذل جهدا للتحدث بلهجة اهل الجنوب لتأكيد هويته العربية وحيث ان الكثير منهم كان يحمل الجنسية العراقية العثمانية كان من السهل التخفي داخل العشائر العربية.
• التنكر للقومية: من لم ينصهر في عشيرة ولم يحمل لقبا عربيا رسمياً قام بالتنكر لقوميته وادعاء العروبة وانخرط البعض منهم في تنظيمات حزب البعث ومنع ابناءه من التحدث بالكردية الفيلية وتسميتهم باسماء عربية محضة ومارس اقصى درجات القمع والرقابة الذاتية ضمن محيط الاسرة ضد زوجته وابناءه في محاولة منه لحمايتهم من قمع النظام السابق, ونجد الى يومنا هذا حتى بعد التغيير وزوال نظام القمع البعثي من لازال يعلن انه من اصول عربية ويحاول بشتى الوسائل ان ينفي هويته الفيلية وكانه عارٌ سيلحق به لو اكتشف احداً انه لم يكن عربياً وان اصوله تعود الى ممكلة ميديا التي نشأت منذ الاف السنين في هذه المنطقة وهو بذلك احق بها من غيره, الا أن قروناً من القهر والابادة دفع بالكثيرين منهم الى التخفى خلف واجهات عربية لحماية انفسهم واسرهم من التلاشي التام, وتبرز هذه الظاهرة بقوة لدى الكرد الفيليين الذين تبوؤا مناصباً رفيعة او حصلوا على شهادات اكاديمية عليا او اصبحوا من مشاهير الفن والاعلام وعلى سبيل الذكر فقط فان الموسيقار نصير شمة هو كردي فيلي ولم اسمع منه مرة انه اعلن ذلك رسميا بل ادعى مرة ضمن لقاء على احدى القنوات بانه من اصول بابلية, والفنان الراحل راسم الجميلي كان فيلياً يتحدث اللهجة بطلاقة.
• التنكر للمذهب: من حق الانسان التمذهب باي مذهب يعتقد فيه الصواب مختارا لا مضطرا والاديان متغيرة والقوميات باقية فلا يمكن قلع الضفر من اللحم كما يقال ومهما تغير دين ومذهب الانسان فلابد له من انتماء ونسب وعشيرة, الا ان قلة من الكرد الفيليين ممن كانت المشاعر القومية متأصلة في نفوسهم عدلوا الى المذاهب الاسلامية الاخرى وغيروا لهجتهم الاصلية من الفيلية الى السورانية وانصهروا في المجتع الكردي في كردستان واراحوا انفسهم واستراحوا بحيث انهم ينفون انهم من الكرد الفيليين أصلاً.
• البعض من الكرد الفيليون انخرط في تنظيمات واحزاب شعوبية كالحزب الشيوعي وكان هذا بمثابة الخلاص من التمزق والتذبذب بين القومية والمذهب, فالشعوبية شانها شأن الاديان لا تؤمن بالمذاهب والقوميات وتصهر المنتمين اليها في ايديولجية وهمية تعطي شعورا وقتياً بالارتياح والانتماء لجماعة ما, وهو شعور لا يلبث ان يزول بزوال المؤثر الفكري والعقائدي المتغير لدى الانسان الواعي, شانه شأن المخدرات التي يتعاطاها المدمنون, وشعور الانتماء كونها حاجة اجتماعية لدى الانسان, فقد ازالت بعض القلق مؤقتاً بسبب ازمة الهوية لدى الكرد الفيليين وقد نجح الكثير منهم في الصعود الى مناصب ومواقع متقدمة في الحزب الشيوعي العراقي.
مقالات اخرى للكاتب