سأضع نفسي كعادتي في مرمى نيران العدوّ والصديق.
ابتهج كثير من العراقيين أمس بعد قيام اللواء رياض الخيكاني قائد شرطة بابل بإعدام أربعة إرهابيين إعداماً ميدانياً دون محاكمة في المكان الذي ارتكبوا فيه جرمهم الشنيع.
الدافع لبهجة المبتهجين معروف ومفهوم. قتل هؤلاء ميدانياً فيه شفاء لصدور أهالي الضحايا وغليل المواطنين الذين يشعرون ان الإرهابيّ بات أكثر حرية في تحركاته من سائر العراقيين الخائفين.
لكنْ
وراء كلّ ذلك منطق ينتمي لما قبل الدولة: منطق ثأري، عشائري، بدائيّ فيه كل ما ينتمي إلى الأعراف الجزافية التي تأسست قبل القانون وأعيدت وترسختْ بغياب القانون.
في منطق كهذا تتساوى الدولة (صاحبة الحق في تأدية العنف قانونياً) مع الميليشيات (مؤدية العنف خارج القانون)، وتتساوى آلية الدولة بآليات الإرهابيّ.
حركة السيد اللواء الخيكاني وابتهاج المواطنين (وفيهم مثقفون محترمون ومخلصون) يثبت ان الإرهاب نجح في جرنا جميعاً إلى منطقه ومنطقته وآلياته وأخلاقه وأعرافه وعنفه غير المقونن، مصداقاً لمقولة نينشه الشهيرة (وأنت تطارد الوحش حذارِ من أن تتحول أنت أيضاً إلى وحش!).
سيقال لي أنت بطران، وسيقال حتماً: (انك يا ابن عبد الحسين لو كان لك أخ أو ابن من بين الضحايا لما كتبت ما كتبت وتفستقتت برؤوسنا عن نيتشه). ربما . ربما لو كان لي صلة قرابة بقتيل مات على يد هؤلاء الإرهابيين المعدومين لنسيت المنطق وركلت القانون وخريت على الدولة وهللت للإعدامات الكيفية في الساحات، ربما كنت فعلت هذا بحرقة دم من فقد حبيبا ونسي عقله. لكن تهليلي وفرحي لن يغير من الأمر شيئاً: سيظل الإعدام بدائياً، همجياً، وفيه منطق الإرهابي والميليشياوي الذي أرفضه.
الثأر عمل لا ينتهي، تقتلون منا فنقتل منكم لتقتلوا مرة أخرى ونعود لنقتل منكم ولتقتلوا ونقتل ... الخ في دورة لا تنتهي. لكن أسوأ ما في الثأر انه كلما تقادم عليه الزمن صار له آليات حقيرة دنسة بعيدة عن الشرف بل بعيدة عن السوية الإنسانية، وأخطر من ذلك هو تآلفنا معها والتعاطي وإياها بتلقائية.
الإعدام الميداني كان يمارسه بدائيون عساكر زمن صدام.
ومارسه بدائيون إرهابيون منذ 2003
واليوم يمارسه بدائيون عساكر
وسيمارسه إرهابيون
كل ذلك والدولة غائبة والقانون غائب والمنطق غائب كذلك
الثأر
يا له عمل لا ينتهي.
أمس انتصر صدام والإرهاب على آخر ما تبقى لنا من أمل ببناء دولة وقانون.
وانتظروا ... ستكون هذه سنّة في خططنا الأمنية الجديدة وستكثر ساحات الإعدام وسيذهب بها أبرياء أيضاً.
مقالات اخرى للكاتب