لست خبيراً باللغات. ولذا سيكون كلامي رجماً بالغيب، يقيناً لا دليل لي عليه. لكنْ أليس هذا ما كنت أفعله طوال حياتي؟ فأنا شاعر، والشعر قول قويّ بلا برهان.
أقول: لي يقين بأن العربية أكمل اللغات طراً. أجملها، أحلاها صوتاً، وأكثرها استجماعاً للعاطفة والفكر معاً، تؤدي قول القلب بأعمق ما يكون وتشير إلى المفهوم بأبلغ إشارة.
أنا مدمن لغتي العربية. ما قرأت نصاً من النصوص الشوامخ إلا وكانت فيه موسيقى مصاحبة له، ومن غريب الاتفاق ان هذه الموسيقى تختفي حين يكون النص شعراً موزوناً.
بعض شعراء العربية أساءوا للغة، أخرجوا أعنف ما فيها من تنطّع وزعيق وبهارج فارغة وتهاويل ومبالغات وهجروا لبّها الهامس، زهدوا في ما يأتي على قلب المنكسر عفواً دون تدبّر وركضوا إلى قول "الأنا" الصاخبة الكاذبة التي تهشّ لها أسماع من لم تلامس اللغة شغاف قلبه.
لا أحب عربية المتنبيّ إلا في بعض نصوصه، ولا أضع يدي وأنا أقرأ أبا الطيب على سحر اللغة، هذا والرجل شاعرنا الأكبر، لكنْ إذا وقعت عيني على الصحيفة السجادية رأيت وسمعتُ العجب العجاب، اللغة تتموّج، موسيقى ملائكية تجرجرك إلى أعلى وتلقي بك من شاهق، سحرُ من يصنع بأنفاسه فقط هذا الكرنفال العظيم.
أعرف ان هناك سبباً آخر لولعي بالصحيفة السجادية بل بسائر الأدعية الروائع، ان فيها انكساراً، ولذا فلغتها لا تحتمل تنطع الشعر العمودي التقليديّ وتهاويل قول الأنا فيه. والانكسار كيفما قيل يكاد يكون شعراً.
أحب العربية
من عرف هذه اللغة وأحبها لم يحتج في حياته إلى سكن.
لغتي بيتي!
مقالات اخرى للكاتب