هذا المقال لم أرغب بكتابته .. لأسباب عــدة أهمها أن الطرف الثاني فيه زملاء وأصدقاء لهم مكانة خاصة في قلبي ، لكن محاولات البعض إضفاء نوع من البطولة على المشهد ، والظهور بمظهر المنقذ من الطوفان ، دفعني لأن أسأل سؤالا مهماً عن طبيعة الحوار الذي دار قبل أيام بين السيد رئيس مجلس الوزراء ، وعدد من الإعلاميين لبوا دعوة كريمة للإفطار على مائدة الحكومة؟.
وحتى لا يفهم الأمر أنني ضد لقاء الإعلاميين للسيد نوري المالكي ، .. أتمنى ان يعرف الزملاء الأعزاء ، ان لا اعتراض عندي على أن تلتقي نخبة إعلامية ، أصحاب القرار السياسي ، لكني أضع أكثر من علامة استفهام ، وأنا أرى نخبنا الإعلامية تقدم نفسها بمعزل عما يجري في البلاد، فنجد مطالبها ضيقة ، تنحصر في الحصول على دعم مادي، أو إنشاء منظمة مجتمع مدني ، فيما قضايا مهمة تغيب عن طاولة الحوار، حيث يتجنب الإعلامي الخوض في حديث جدي عن الإصلاح السياسي. ودعوني أتساءل: مَنْ مِنَ الذين حضروا اللقاء ، طالب بأن يكون الإعلامي شريكا فاعلا في دولة أنهكها الفساد والمحسوبية وأحزاب الطوائف والفقر، كي يستطيع من خلال مشاركته أن يُسهم في عملية الضغط من أجل حلم التغيير في فضاء السياسة العراقية ، التي بلغت اليوم حداً من التكلس والصدأ بحيث خلقت طبقة سياسية ترى أن على الشعب أن يبقى مغيّباً ، ويكتفي بالركض وراء رغيف الخبز، والحد الأدنى من متطلبات العيش ، والهتاف للحكومة بطول العمر والبقاء !
بالأمس وأنا أنظر مع أحد الزملاء إلى عدد من الصور التي نشرت على موقع رئاسة الوزراء ، قال لي الزميل أكيد أن السيد المالكي ألقى على مسامع الحضور حديثاً عن الصبر الذي يجب أن نتسلح به جميعا ، أما أنا فقد ذهب ذهني بعيداً وأنا أسترجع كلمات قالها السيد رئيس مجلس الوزراء قبل ايام من مأدبة الافطار من انه سيسعى إلى ان تكون الحكومة القادمة حكومة مصغرة ، بعدها تطايرت على شبكات التواصل الاجتماعي أخبار وشائعات عن إصرار السيد المالكي على تنفيذ شعار: "ما ننطيها".
يدرك الأصدقاء، أن الإعلام اليوم هو الذي يصنع التغيير، وهو المعبّر عن مشاعر الناس وأحاسيسهم، وشاهدنا كيف استطاع الإعلاميون المصريون ان يصبحوا جزءا من صناعة الحدث اليومي، مصرِّين على أن تبقى أصواتهم أعلى من أصوات السياسيين.. فيما نحن نقف معظم الوقت في منطقة رمادية ليس لها معالم واضحة، في الوقت الذي كان بإمكان الإعلام أن يحرك المياه الآسنة في "بركة" السياسة، بالوقوف في الطليعة لتشكيل رأي عام يقف ضد الفساد، والطائفية والمحاصصة.
والآن دعوني أسأل: مَنْ مِنَ الإعلاميين ، طالب بأن تتاح لوسائل الإعلام الحصول على المعلومة ؟ مَن منهم اعترض على قمع تظاهرات سلمية تطالب بتحريم الدم العراقي ، مَن منهم طالب رئيس الوزراء بالكشف عن الصفقات الوهمية وعقود الكهرباء التي بلغت عشرات المليارات .. مَن منهم ناقش جدوى الخطط الأمنية التي حولت بغداد إلى مدينة أشباح ؟!
قبل أيام ، وفي فصل مسرحي جديد يكتب لنا السيد المالكي، حواراً لم نعهده في النص القديم الذي امتلأ بمصطلحات من عينة "أجندات" و" مؤامرات " فقد أراد ان يقول لنا جميعا إن ما جرى في سجني التاجي وأبو غريب ، وتجوال المفخخات في شوارع المدن ليل نهار .. وحصولنا على الرقم القياسي في عدد القتلى ، لا يُعد فشلا أمنيا .. فنحن والحمد لله حسب ما اخبرنا القائد العام للقوات المسلحة انتصرنا في المعركة ، وان هذا الانتصار لا يعني حسب قوله تجاوز المحن لأن التحديات كبيرة وان ما تحقق من إنجازات أمنية يتطلب بذل جهود مضنية للحفاظ عليه .
للأسف ينسى البعض أن مهمة الإعلامي أن يكون قادراً على صنع موقف ،والدفاع عنه ، يعني أن تؤمن بأنه قد تأتيك ثقة الناس في لحظة لكي تقوم بدور حقيقي، لو لم تكن كذلك، فإنك تمارس الهذر، وإلا فليقل لي السادة الذين أفطروا على مائدة المالكي ، هل يريدون منا أن نصدق ان كل مشاكلنا انتهت ما دام رئيس مجلس الوزراء ابتسم في وجوههم ، وان أزمة السكن والبطالة وغياب الخدمات وهشاشة الأمن ونهب ثروات الشعب والمفسدين الذين أثخنوا شرايين الدولة بالجلطات، كل هذا اصبح من الماضي، وان الناس تعيش عصرها الزاهر بالخير والأمان، ألا يدرك أصدقائي الأعزاء أن الإعلام اليوم يقوم على الصدق والثقة والإخلاص لقضايا الناس؟ الا اذا كانوا يعتقدون ان المطلوب من الاعلام القيام بحملة وطنية لإلزام الناس، الصائمين منهم والفاطرين، بشكر النعم التى يرفلون فيها خلال هذا العصر السعيد.