في شهادته أمام إحدى لجان الكونغرس قال مساعد وزير الخارجية الاميركي المكلف بملف العراق بريت ماغورك حول الموقف الاميركي بعد دخول "داعش" الى الموصل ومدن أخرى: "الموضوع يحتاج الى حل سياسي، وواشنطن لا يمكنها عمل شيء قبل ان نرى تغييرا سياسيا في العراق". وعندما سأله احد الاعضاء: وماذا لو بقي المالكي في رئاسة الحكومة؟. أجاب ماغورك: "في هذه الحالة سنكون مضطرين للوقوف مع حلفائنا في المنطقة".
هذا الجواب الخطير، يحتاج الى وقفة عنده لفهم دلالاته، وهو في الوقت ذاته قد يقدم لنا أجوبة على أسئلة ظلت دون جواب، أولها: ما حقيقة الموقف الاميركي من دخول داعش الى العراق؟، ولماذا هذا البرود الاميركي في تقديم الدعم للعراق في مواجهته لهذه العصابة رغم معرفة طبيعتها الارهابية، ورغم التأكيدات على ان خطرها لن يقتصر على العراق وسوريا بل قد يتعداهما الى دول تعتبر أنظمتها حليفة لواشنطن؟.
والحلفاء الاقليميون الذين يتحدث مسؤول الملف العراقي في الخارجية الاميركية عن دعمهم، كانوا قد شكلوا مادة الاعتراض الذي أبداه الديمقراطيون على الدخول العسكري الاميركي للعراق وإطاحة النظام الدكتاتوري السابق، والذي تحول الى موضوع رئيسي في الحملة الانتخابية الرئاسية لاحقا والتي فاز بها الديمقراطيون بمرشحهم باراك أوباما. آنذاك كان الديمقراطيون يقولون ان ما قامت به إدارة بوش الابن في العراق تم دون الاخذ بالاعتبار مصالح ومخاوف حلفاء واشنطن في المنطقة. هذا الحرص على مصالح الحلفاء تعزز بعد وصول الديمقراطيين الى البيت الابيض، وما ساعد في تعزيزه أن العراق لم يتعامل مع الجانب الاميركي كحليف بل كخصم ومحتل لدرجة انه شبّه الانسحاب الاميركي من العراق بما حدث في ثورة العشرين وأصر على عدم بقاء أية قوات، ولو رمزية، على اراضيه. وفي مرحلة ما بعد انسحاب القوات الاميركية سنة 2011 لم تتواصل الحكومة مع الجانب الاميركي بما يحفظ علاقات تعاون وتنسيق معه في وقت كانت فيه الانظمة العربية الحليفة لواشنطن، ومعها أطراف عراقية رافضة لمعادلة الحكم الجديدة في العراق، بما فيها المشاركة في العملية السياسية، تمارس نشاطا مكثفا في العاصمة الاميركية وتنفق أموالا طائلة لشراء أصوات سياسية وصحافية وبحثية، ونجحت بالفعل في تكوين تيار قوي معارض للحكم العراقي ومحرّض ضده في أروقة القرار الاميركي. لذلك بتنا نسمع اصواتا عالية في الكونغرس والإعلام ومراكز الفكر تتحدث عن "طائفية الحكم العراقي" وسياسات "التهميش والاقصاء" والدعوات الى "إشراك جميع المكونات في الحكم" دون أن يكلف اصحابها أنفسهم عناء التدقيق في المناصب العراقية وطريقة توزيعها بين المكونات.
أما حلفاء واشنطن الدائمون في المنطقة فهم، الى جانب إسرائيل، عدد من الانظمة العربية، ذكر منها ماغورك في شهادته الاردن والسعودية ودولا خليجية أخرى. وعملية إرضائهم وتطمينهم أميركيا، كما دأب الديمقراطيون على القول، ربما تؤدي الى عملية "تصحيح" للوضع في العراق، فكثير من هؤلاء الحلفاء لم يبدوا الود مع عراق ما بعد صدام بسبب تركيبة الحكم التي يشارك الشيعة فيها وان كان ذلك بحجم يقل عن نسبتهم السكانية، ومع ذلك فقد كان عصيّا على قبول المحور العربي الاقليمي الذي يرى في اي نفوذ سياسي لشيعة العراق دعما للمحور الايراني في المنطقة.
في الداخل الاميركي فان الجمهوريين يرون ان أداء خصومهم الديمقراطيين شكل تنصلا أميركياً عن العراق الذي بات هو من مسؤوليات واشنطن، فيما يرد الديمقراطيون بالقول ان العراقيين هم الذين رفضوا استمرار التعاون وأصروا على الخروج الشامل من العراق. وبين هؤلاء وأولئك تبقى حقيقة مؤكدة هي ان الحكومة العراقية لم تعمل بالآليات المطلوبة للحضور الفاعل في العاصمة الاميركية بما يؤمن لها التأثير على مراكز القرار، على غرار ما تفعله سفارات دول في واشنطن تصل ميزانية بعضها الى مليار دولار سنويا.
مقالات اخرى للكاتب