ثلاثة بالألف فقط من مجمل الموازنة العامة هو مايمكن ان توفره اصلاحات العبادي الحالية اذا ماأنجزت على الوجه الأكمل !!! .
هذا التصريح الذي جاء على لسان احمد الجلبي رئيس اللجنة المالية النيابية ، والشخصية الاقتصادية المعروفة ، لقناة الحرة عراق ، يعني ان اصلاحات العبادي التي ( لم تصلح ) على حد وصف اياد علاوي هي دون مستوى الإجراءات التقشفية ، وتطرح تساؤلات جدية عن طبيعة الضجة التي يثيرها السيد رئيس الحكومة ، والتي تراجعت بأدائه الى مستوى صناعة الأزمات الذي انتهجه سلفه طيلة ثمان سنوات سابقة لحكومته الحالية .
التساؤل الاكثر اهمية هو فيما اذا بنيت اصلاحات العبادي على رهانات خاطئة ، ام انها مخطط للتخلص من التعددية السياسية وضرب المنافسين السياسيين ، اعتمادا على حالة الاحتقان الشعبي المدعومة من المرجعيات الدينية كرد على سياسات الحكومات السابقة التي قادها حزب العبادي وكان هو احد مهندسيها الأساسيين ورئيس اللجنة المالية النيابية للسنوات الاربع الاخيرة منها ؟
المؤشرات العاكسة لطبيعة وحجم المتحقق من الاصلاحات على الارض ومستوى القبول الشعبي بها تؤكد غياب الواقعية عن برنامج الحكومة الاصلاحي وفشله على كل المستويات ، سيما الخدمات ومكافحة الفساد ، فالكهرباء التي كانت سببا في اندلاع الانتفاضة المطلبية تعاني تراجعا خطيرا في ادائها رغم انخفاض درجات الحرارة وقلة الاستهلاك ، كما ان رؤوس الفساد الكبيرة ماتزال طليقة وعابثة ومحمية بإجراءات الحكومة رغم النبرة العالية لرئيسها ماجعل مطالب المتظاهرين تنقلب في الجمعة الاخيرة الى الاطاحة بالعبادي كشرط لتصحيح معادلة الفساد القائمة منذ سنوات ، اذ لا احد يفهم تردد العبادي عن قبول دعوات علاوي المخلصة الى اعتماد هيئات محاسبة مالية عالمية رصينة لمراجعة اموال العراق واوجه صرفها منذ العام 2003 ، ولا سكوته كرئيس للجنة المالية النيابية عن امتناع الحكومة عن تقديم الحسابات الختامية لموازنات الاعوام السابقة !!
رغم ادعاءات العبادي للباس ثوب الإصلاح ، والدعم الكبير الذي حظي به في محاربة الفاسدين ابتداء ، الا ان خطواته الخجولة والتي لم تلامس جذور الازمة ، وعدم الجدية في ضرب الفاسدين المنتمين في معظمهم لحزبه او كتلته ، قلب مؤشر بوصلة الحراك الجماهيري من الدعم والتفويض المطلقين له الى التشكيك بنواياه بإعتباره جزء من ماكنة الفساد التي تسببت بالخراب طيلة السنوات الماضية .
ايضا ، خروقات العبادي الدستورية التي استهل بها برنامجه الاصلاحي كانت جرس انذار لما يمكن ان تحمله من مخاطر وافساد في مواضع اخرى اكثر تهديدا ، وقد قوبلت هذه الخروقات برفض رئيس الجمهورية حارس الدستور ، والمرجعيات الدينية التي رأت ردها من المحكمة الاتحادية بطرق الطعن القانونية .
هذا الواقع المتداخل وضع العبادي لا في مواجهة الفاسدين والمقصرين بل وفي مواجهة المصلحين المخلصين والكفوئين الحقيقيين الذين حاول العبادي تقديمهم كبوش فداء لاصلاحاته المزعومة وغطاء للتستر على مكامن الخلل الحقيقية لذر الرماد في العيون ، ايضا ، وهو مايدفع برئيس الحكومة الى وضع لايحسد عليه سيما لجهة اعادة النظر في تاريخه السياسي والاداري كجزء من مؤسسة تقف بكاملها اليوم في قفص الاتهام ، فالرجل كان وزيرا للاتصالات في حكومة بريمر التي شهدت اعلى درجات الفساد بشهادة المفتش الامريكي العام في العراق ، ولم يسبق له الاشارة الى هذه المرحلة او ادانة فسادها ، كما ان اتهامه لعلاوي باعتماد الرواتب التقاعدية الضخمة جعل الاخير يكشف عن ان الارقام الفلكية للرواتب التقاعدية من الدرجات العليا تم اعتمادها خلال حكومات الجعفري والمالكي التي يقودها حزب الدعوة ، والعبادي قيادي بارز فيه ، وهو عضو ومن ثم رئيس اللجنة المالية النيابية لثمان سنوات دون ان يقدم مقترحا لتعديل هذه الرواتب ، بل انه ذهب بنفسه الى الاعتراف بانه كان قد اعتمد وصادق على تشريعات مشوبة بالفساد .
العبادي اليوم اصبح مكشوفا من الغطاء الجماهيري والسياسي والمرجعياتي ، فالاصلاحات الحقيقية يجب ان تكون مدروسة وشرعية وقابلة للتحقيق بلحاظ امكانات الدولة المالية والاقتصادية والفنية وحصول التوافق السياسي - الاجتماعي عليها لمنحها الحيوية والاستمرارية ، ولايمكن ان تمضي دون شراكة صادقة بنوايا حسنة توظف كل الطاقات لمنحها لإمضائها نحو الامام .
مقالات اخرى للكاتب