لم يتوقع الكثيرون ان يتسارع تدهور الاوضاع وفق هذا الايقاع المريع ، فالسيولة النقدية المتدفقة لريع النفط كانت ، حتى وقت قريب ، تغطي على معظم العيوب والتشوهات في السياسات الحكومية من اهمال وتلكؤ وتقصير وفساد ، اذ ان اموال الذهب الاسود ظلت توفر عشرات الالاف من الوظائف في القطاع العام خارج حاجته الفعليه مع كل موسم انتخابي في مزادات شراء الاصوات والذمم ، و إسكات أخرى ، وفي ادامة عمل الماكنة الاعلامية الضخمة بتلميع صورة الاداء الحكومي ومن ورائه الفصيل السياسي القابض على السلطة ، لكن إنهيار اسعار النفط المفاجئ اسقط ورقة التوت من فوق عورات الحكومة ، وكشف هزال الطريقة العبثية والمستهترة في ادارة البلاد وفق مبدأ المحاصصة الطائفية ، ذلك المنتج الأكثر قبحا لعملية سياسية بائسة ومنحرفة .
صيحات الوطنيين ، من سياسيين وخبراء وكفاءات ، لمواجهة الأزمات قبل إستفحالها ، ووجهت بصلافة ولامسؤولية القائمين على تسيير ادارة البلاد في المستويات العليا ، فالإصلاحات التي وعد بها السيد العبادي ليست جدية ولاتتعدى فقاعات صغيرة انفجرت حالما لامست الهواء ، وجاءت اما لذر الرماد في العيون ، او انها عكست تحليلات خاطئة وتخطيط فاشل ، وبعضها لم يكن قانونيا ولا دستوريا مما فاقم التعدي على المؤسسات المتعثرة اصلا ، بينما صب الجزء الآخر منها في اعاقة الإصلاح وتدعيم الفساد وتعزيز مواقع الفاسدين .
الخروج من نفق الطائفية السياسية الذي دعت اليه قوى التيار المدني وقيادتها الاساسية الممثلة بالسيد اياد علاوي ، منذ وقت مبكر ، هي الخطوة الأولى والوحيدة على طريق الخلاص ، والتي لم تولها الرئاسات الثلاث ولاإجتماعاتها مع قادة الكتل السياسية ، بما فيها اجتماع الخميس الفائت ، ماتستحق من اهتمام ، فماصدر عن الاجتماع الأخير لم يكن الا اسقاط فرض خلا من برامج العمل وكان حافلا بالمواعظ والمناشدات التي لاتسمن من جوع .
لقد اثبت السير في الاتجاهات الاخرى ، والذي هلل به البعض كثيرا ، انه لايعدو مضيعة للوقت وهدرا للدماء والمال والجهد .
جماعات الاسلام السياسي ، بعد سنوات من التجريب والتخريب في الحكم والتحكم ، مدعوة لنبذ عقيدة " الاخيار والاشرار " في التمييز بين العراقيين ، ومطالبة ، ان كانت حريصة على البقاء كفصيل وطني ولاعب فاعل ، بمراجعة مواقفها ومشاريعها ، وانتهاج المصالحة الشاملة لوقف نزيف الدم وهدر موارد البلاد ، برفع العثرات التي وضعتها وتضعها في طريق المصالحة وتحقيق الوحدة الوطنية ، وتحت ذرائع لم تعد مقبولة ، فالتيار المدني بقواه السياسية والاجتماعية العريضة لاينفك يعبر عن تذمره وسخطه المتصاعد على جميع فرقاء الاسلام السياسي الحاكم ، وينزاح بقوة من موقع الخصومة الى ساحة العداء بعدما عطل الاسلاميون قواعد اللعبة الديمقراطية بخرق الدستور وتسييس القضاء وتجييش الميليشيا والسطو على مفاصل الدولة ومواردها وشرعنة الفساد وتخوين المخالفين ، ماينذر بمواجهة لاتتحملها البلاد المنهكة سياسيا وامنيا واقتصاديا ، ولن تكون في صالح اي من الطرفين ، وعلى مايبدو ، ووفق المعطيات الملحوظة ، ان جل قوى الاسلام السياسي ، بما تتوافر عليه من ادوات السلطة والمال والسلاح والدعم الخارجي ، تتعمد اغفال حركة التاريخ فلاتلتفت الى حتمية المواجهة القادمة ، والتي تدفع اليها الآخرين دفعا ، لتبقى اسيرة أوهامها وغرورها اللذين لازما احتكارها للدولة والسلطة معا عبر كل السنوات الماضية ، اذ هي ماضية في صم الآذان وغلق الأفهام امام أصوات المرجعيات الدينية الرشيدة الناصحة والمحذرة حتى بح صوتها ، وازاء اصوات المتظاهرين المنذرة وأزيز الغليان الذي يمور في صدور الاغلبية الصامتة .
مقالات اخرى للكاتب