الوطنية، ببساطة، أن تحب بلادك وأن تكون مستعدا للتضحية في سبيلها، تضحية ولو بسيطة، وهذا بالتحديد ما يحتاجه العراق اليوم، لأنه ببساطة أيضا وطن بلا روح وطنية.
قديما قال نبي الإسلام إن "حب الوطن من الإيمان" من أجل تأكيد معنى الوطنية في زمن القبيلة الجوالة، وعصر الجاهلية الإولى، واليوم ونحن في عصر الأمم المتحدة، لا نكاد نسمع من منابر مساجد الإسلام خطاباً يدعو لحب الوطن. لقد صار العراقيون عيالا على وطنهم ينتظر كل واحد منهم حصته من "التموينية" أو من "التقاعد" أو ينتظر أن يقدم له الوطن "تعيينا" في دائرة من دوائره، ليستلم راتبه.
أما أن يحب العراقي وطنه، وأن يقدم للعراق شيئا قبل أن يأخذ مقابله المال، فذلك أخو المستحيل، ذلك مثيل "الغول والعنقاء" الذي يقابله العراقيون بـ"يمعوّدددد"، بحيث لم يعد العراقيون يصدقون أن أحدهم يمكن أن ينظف شارعا، أو يزرع شجرة، أو يرمم سياجا خارج بيته ما لم يكن ذلك ضمن عقد (مدفوع الثمن) استلم أمواله مسبقاً. صار العراقيون يسيئون النية بمن يقدم لوطنهم شئيا بلا مقابل، وما زلت حتى الآن أحاول أن أقنع كثيرين منهم بأنني عدت للعراق لأعمل براتب قدره 500 دولار كمدير لقناة البصرة الفضائية لا لشيء غير حب الوطن وحب بناء نموذج يمكن أن يتخذه الآخرون مثالا.
وحتى لا أظلم ثلة من الوطنيين أذكر أن كثيرين غيري ضحوا في سبيل العراق، منهم من أعرفهم، وعايشتهم مناضلين منذ منفى 1991 وما بعده من السنوات، إسلاميين، وقوميين، وشيوعيين، ووطنيين مستقلين مثلي، لكن ما إن بدأ العراق يتيح المجال للأخذ بات الكثيرون منهم يأخذون من العراق ما لا سبيل لرده.
حتى في تسمياتهم الجديدة للشوارع وللمطاعم وللمحلات يحضر كل شيء، ويغيب الوطن، ذلك أن الوطنيين العراقيين باتوا أقلية، وبات الإنسان الوطني كائنا حيا مهددا بالانقراض.
ليس الوطنية أمرا سيئاً، بل إن ما تقدمه الوطنية لك لا يقارن بما تأخذه منك. أن تلتقط قنينة فارغة من شارع وطنك، وتضعها في مكانها المخصص، وطنية. أن تلتزم بالهدوء في انتظار دورك في استلام راتبك وطنية أيضا، أن تتعامل مع شوارع مدينتك على أنها وجهك الأوسع الذي يراه الآخرون وطنية.
أريد أن أقول إن الوطنية ألا تظن بالعراقي الآخر سوءًا وأن تجد له على الخير محملا، لكنني لا اكاد أعثر على تيار وطني يدعو العراقيين لحب الوطن، ولا أكاد أعثر على من يحمل صفات القائد الوطني الذي يسهم قوله وفعله وتقريره في رسم ملامح الشخصية الوطنية. العراقيون اليوم بلا حزب وطني، كل أحزابهم اليوم تدعو لكل شيء إلا للوطنية. حتى كأن كلمة الوطن باتت مفردة منبوذة.
الوطن، الوطنية هي كل ما يريده العراقيون، وإذا ما رحم الله العراق فسوف يجد العراقيون حزباً وطنيا يلم شعثهم، ويجمع شتاتهم، ويوحد كلمتهم، حزباً حقيقيا يعمل على أساس الدستور وحب الوطن، يضع الامور في نصابها الصحيح، ويُري العراقيين ما الذي كان ينقصهم طيلة سنوات خلت من الديكتاتورية والفوضى قبل 2003 وبعدها.
هل باستطاعتي أن أحلم بهذا التيار الوطني الذي طال انتظاره، تيار مدني يعرف أن ليس للوطن إلا الوطنيين، وإن موت الروح الوطنيين عند أي شعب تعني موت الوطن بكل ما فيه. أعرف انني أحلم، لكنه حلم قابل للتحقق، بالعمل، وبالدعاء .. أيضا. فلا تنسوا الوطن من صالح دعواتكم أيها العراقيون.