ذات يوم , اصطحبني والدي الى مدينة الناصرية , بهرتني الشوارع , البنايات , الاسواق , ازدحام الناس , الا ان أشد ما بهرني ذلك الفلبيني , البائع المتجول , الذي يبيع العابا صغيرة الحجم , صنعها بيده من صفيح علب المشروبات الغازية , دجاجة وحمام وضفادع , يحركها بيده محاولا جذب انظار الاطفال اليه , لعلهم يطلبون من ذويهم ان يشتروا لهم شيئا منها , لكني لم اطلب من والدي ان يشتري لي شيئا , لأني اعلم مسبقا انه سوف لن يفعل ! .
لدى عودتي الى البيت , قررت ان اصنع لعبا كالتي صنعها ذلك الفلبيني , قصدت مجمع النفايات الذي كان قريبا من المنزل , التقطت عدة علب لمشروبات غازية مفرغة , اخذت المقص الوحيد الذي كان على ماكنة خياطة امي , وشرعت بالقص , قبل ان اتقدم كثيرا في المشروع , سمعت امي تصيح "اين المقص؟ " , حالما رأته بيدي صرخت في وجهي وقالت موبخة لي :
- هذا مقص للقماش لا لقص الصفيح ... يا غبي ! .
لم اكمل المشروع , حدقت في العلب الفارغة , ليس بإمكاني فعل شيء , رميتها جميعا , لكني لم ايأس لابد ان اصنع لعبة لي , او لأخواني الصغار , ليس في يدي حيلة , الا ان لدي الكثير من الغراء , خطرت في بالي فكرة , ان اصنع دبابة , من اغلفة الخراطيش الفارغة , فقد كان هناك الكثير منها في بيت خالي , كانت الحرب العراقية – الايرانية مستعرة , وكان خالي مولعا بجمع اغلفة الخراطيش , استعرت منه كمية كبيرة متساوية في الحجم , عدا واحدة كبيرة .. وطويلة , شرعت الصق بعضها ببعض , حتى اكتمل بناء الدبابة , بعد ان ثبت الخرطوشة الاكبر في مقدمتها , طرفها المفتوح الى الاعلى ,
والطرف المغلق احكمت الصاقه في هيكلها , حتى بدا كمدفعها .
صدقوني ! , دفعت لي روسيا مليون دولار مقابل ان ابيعهم تلك الدبابة , لم ابعها , لعلمي ان ابي وامي سيأخذون المال , والروس يأخذون الدبابة , عندها لا يبقى لي شيء ! .
ذات ليلة , قررت ان استعيض عن صفائح المشروبات الغازية بالورق , فلا زالت تلك الفكرة تطاردني , تراودني , تغازل ذهني , صنعت فيلا , ثم خلدت الى النوم بعد يوم شاق , في الصباح , لم اجد الدبابة , لكني وجدت الفيل !
مقالات اخرى للكاتب