لكي لاننسى اصعب الأيام التي مر العراقييون بها عام 1991 م ،وهي أيام تكالبت وتحالفت 34 دولة من دول العالم مع الصهيونية العالمية لقتل العراقيين وتخريب بلادهم في حلف يحمل المئات من علامات الأستفهام ،تمر هذه الأيام ذكريات أليمة لايمكن للعراقيين نسيانها ،حيث استخدمت أحدث الأسلحة في تقنية القتل والتدمير لقتلهم وتخريب بلادهم متزامنا ً ذلك مع أقسى حصار في تاريخ البشرية فرض على شعب العراق !
صحيح ولكن !
- صحيح ان من يقود العراق كان ديكتاتور متسلط هو صدام حسين
ولكن الصحيح أيضا ً أنه لم يكن الديكتاتور الوحيد في العالم ،وكان يمكن التخلص منه بأسناد المعارضة التي كانت قوية أثبتت وجودها ،وبدون تخريب البلاد وقتل العباد .
- وصحيح أنه دخل الكويت ،ولكن الصحيح أيضا ً أنه ليس الطاغية الوحيد ولا الأول ولن يكون الأخير الذي يحتل بلدا ً آخر ، خصوصا ً وأن للعراق دعاوى في عائدية الكويت له سبقت وجود صدام في الحكم ،كما كانت له خلافات عديدة معها حدودية وأقتصادية وغيرها ، هذا إذا استثنينا ما تحدث به الكثير من الأطراف عن إعطاء الضوء الأخضر لهذا الغزو من الأدارة الأمريكية .
فهل كان الأمر يبرر هذا التحالف الضخم والمليارات من الدولارات التي صرفت والضحايا التي قتلت ،والأحقاد التي زرعت والبلاد التي خربت ؟
الأسباب الحقيقية :
هناك العديد من الأسباب ولكننا نستعرض أهمها :
- تأثير الصهيونية العالمية التي كانت تعتبر ان العراق عدوالصهيونية التاريخي اللدود ،حيث كان القائد العراقي نبوخذنصر وقبل ميلاد السيد المسيح قد سبى اليهود وأستخدمهم كعمال وعبيد في بناء بابل واسوارها وجنائنها المعلقة ،وأن هذا يبرر العودة ثانية وهكذا والحال هذه فيجب تدمير العراق وأستمراره ضعيف الى أطول فترة ممكنة ،وان كان بالأمكان تجزئته .
ان التأثير الصهيوني في هذا الأتجاه يشابه الى حد بعيد ما تقوم به الصهيونية من دفع لأمريكا والغرب بأتجاه ضرب وتدمير إيران واستمرار حصارها ،وان تأثيرها في الداخل العراقي ،الذي تعرض للفوضى بعد حروب امريكا ، لايزال مستمرا ً وبالعديد من الصيغ .
- ومن جانب آخرفأن كل مافعله الأمريكان وبالخصوص آل بوش كان ارضاءا ً للصهاينة وللّوبي الصهيوني في امريكا، ان رؤساء امريكا هم استثمار صهيوني ، تنظر دويلة الصهاينة بعد قدوم كل رئيس جديد الى ما سيقدمه لها ثمنا ً لتنصيبه في البيت الأبيض وعلى العرب المتخلفين ان يتجرعوا مرارة الذل والأستمرار بزق البترول للأمبراطورية الأمريكية شاءوا ام ابوا،وإثارة النعرات المذهبية والطائفية بينهم كافية للتخلص من شرورهم .
- كانت فرصة تاريخية للأمبراطورية الجديدة المتربعة حديثا ً على صدارة العالم لأثبات دمويتها وقوتها في عدو لم يكن من قبالها في الحسابات العسكرية ،حيث كانت هي دولة عظمى والعراق من عداد الدول الصغيرة من دول العالم المتخلف وان سلاح جيشه قد عفى عليه الزمن واصبح ألعوبة بيد الأمريكان بعد سقوط دولة السوفيت ،وفوق كل هذا فأن جميع الخسائر قد ضمن الأمريكان تعويضها من دول الخليج وخاصة السعودية ،والتي تمكن الأمريكان من تخويفها وإرعابها بالغول العراقي الذي سيبتلع دولها .
في مثل هذه الأيام سجلت الشبح الأمريكية قتل تاريخي للنساء والأطفال :
كان الناس في هم كبير حيث ضاعت فجأة لقمة الخبز بعد ان كان العراق بلد الخير ، فقرارات الأمم المتحدة التي أصبحت بيد أمريكا توالت لخنق شعب العراق بالكامل في سجن كبير ،وأصبحت الناس تشتري الحنطة أو الطحين بأغلى الأثمان وأصبح للخبز المقام الأول في تفكير العراقيين ،وننقل صورة من أحدى مدن الجنوب العراقي وهي الناصرية ،تبعد 360 كم عن بغداد ، حيث كان الناس تتوافد بالمئات على منطقة تدعى (السيف ) والتي تختص ببيع الحنطة والطحين وفي حوالي الساعة العاشرة صباحا ً في أوج الزحام أنقضت طائرات الشبح المقاتلة ،والتي تعد أحدث ما أنتجته البشرية من رسل القتل والدمار ، إنقضت على جموع المدنيين وجلهم من النساء والأطفال ،حيث أن أغلب الرجال كانت في ساحات القتال ، وقد قامت بقصف الجموع، ورمت حاويات إنتشرت على مساحات شاسعة من محلات بيع الحبوب ،ولانزال نستذكر صوت صريخ هذه الطائرات وهي تقذف بحمم الموت حيث أختلطت جثث الشهداء مع بعضها وأمتلئ المستشفى العام بالأصابات المختلفة ، وكنت أحد الذين يبحثون وسط الجثث ،قمت بحمل إحدى الجثث المتفحمة بعد ان ذكروا لي ،وسط ذلك الأرتباك ، أنها جثة والدتي وأرسلتها للدفن في مدينة النجف ،غير ان أصعب المواقف التي مرت معي هي عندما وجدت في اليوم الثاني جثة والدتي في مغتسل المستشفى وقد أصيبت بشظية في وجنتها ،وتبين اني دفنت إمرأة أخرى لاأعرفها .
انها إحدى صور الأمبراطورية الدموية التي حكمت ولاتزال تحكم العالم بالسلاح المتطور والدسائس والفتن ،ولايمكن ان تزوق وجهها الى غير ذلك أبدا .
مقالات اخرى للكاتب