قالت لي ام محمد ان ابن أختها عمار معجب بزميلته ويود الاقتران بها . هما في السنة النهائية في كلية الطب ، عائلتها عانية مرموقة ، وعمار من عائلة الحلي الشهيرة وأجداده كانوا اعلام الفكر والأدب والفقه ورواد الحوزة حين كانت يوما ما في الحلة . لقد وحد الحب قلبيهما ، وقلباهما اخضران غضان ، واسألوني انا عن الحب وكيف يستطيع تجاوز الموانع وتحطيم السدود التي تقف بوجهه كانه سيل جارف ، الحب قضية قدرية لادخل لها بحسابات العقل والمنطق ، ولا يعترف بالطوائف والقوميات والأجناس والمحاصصة ، الحب وصفة سحرية لكل عقد الكراهية الفارغة ، فانت حينما تحب : تحب كل ماحولك ، وحينما تحب : تعشق كل التفاصيل الصغيرة في حبيبك ولا تسمح لعقلك ان يناقشها .
وعمار يتيم الأم منذ كان صغيراً . توفيت والدته في حادث اليم وقد كانت من المع الطبيبات ، وأرق من عرفتُ قلباً ، كانت لها شخصية آسرة ، شاعرة ورسامة واديبة مثقفة رحمها الله . ولذا فان ام محمد تعتبر نفسها في مقام والدته .
لكن هنالك مشكلة ؟
فعائلة البنت مترددة في قبول طلب يد ابنتهم ، لا أظنه زهداً بعمار ، فليس في عمار عيب ما ، هو شاب تتمنى أي أسرة ان تناسبه ، لكنهم ربما يقلقون من التفاوت المذهبي بين الأسرتين ، سيما وان عمار متدين وملتزم بالطقوس التي نشأ عليها وتعلق بها قلبه ، كما وان في العائلة العانية نساءٌ كانوا يريدون البنت زوجة لأبنائهم وأبناؤهم لاشئ يعيبهم ، والأقارب عندنا نحن العانيين أولى من غيرهم ، ونادرا مانمنح بناتنا لمن هو خارج حدود العائلة ولا حتى للراويين . فما بالكم بحلاوي ، وهو من مذهب آخر .
قالت لي ام محمد : عمار سيجن لو رفض اهل البنت الزيجة ، وسأموت انا قهراً عليه . لقد حددنا هذا الخميس موعداً لزيارتهم ، وبالكاد قبلوا . سنذهب نحن النساء أولاً وسنطلب يدها ونقبل بكل الشروط والالتزامات ،لن نبقي لهم حجة ، لا أريد لقلب الولد ان ينفطر . ياالله إلا يكفي ما قاساه من يتم منذ طفولته .
جاء يوم الخميس واستعدت ام محمد للمناسبة وانا أسمعها طيلة الأيام الفائتة وهي تعد سيناريو الخطوبة ، ماذا تأخذ في يدها من هدية ، وماذا تلبس ، وكيف تفتتح الحديث ، كيف ستجاوبهم لو رفضوا الطلب ،،،، ووووو . كل السيناريوهات معدة سلفاً لكن المشكلة التي بلا حل هي في قريبات البنت فهن سيكن موجودات وعينهم عليها لأبنائهم ، فهي شابة وطبيبة وجميلة .
- والله لو رفضوا فساموت كمدا ، انا لا احتمل ان أرى عمار حزيناً .( ظلت ترددها ام محمد في كل حين )
اعددتُ في ذهني خطة لعلها تنجح ، وفي يوم الخميس تواجدتُ مع النسوة الذاهبات للخطوبة وقد تحججت باني جلبت بيدي هدية تليق بهذه المناسبات .
حان الموعد فانحشرت النساء الخاطبات في سيارتين ، فقلت لهن :
- مارأيكم ان أوصل بعضكم بسيارتي فانتم بهذه الطريقة ستبهذلون ملابسكم وزينتكم .
- انت بنفسك توصلنا ؟ ولكنك قلت ان لديك اجتماعا هاماً .
- لم لا ، انها مسافة الطريق ومايزال أمامي وقت كاف .
- ياريت ، ولكن بيت البنت بعيد من هنا .
- لا ليس بعيداً ، ومايزال الوقت مبكراً .
وقدتُ سيارتي خلف عمار وكانت ام محمد معي :
- قل لي يا ابو محمد ماذا افعل لو رفض العانيون عمار ، والمشكلة المذهبية كما تعرف أصبحت عائقاً في التواصل الانساني .
- لا تستبقي الأمور يا ام محمد .
- المشكلة ان أقارب البنت من النساء سيكن موجودات وربما يحرجوننا ، فهم يريدون تزويج البنت في نطاق العائلة .
- مابك تضعين اكثر الاحتمالات سوءً ، اصبري .
وصلنا لبيت البنت ونزلت النساء ونزلت ام محمد وهي وجلة وبدأوا برن جرس البيت .
قلت لها :
- ام محمد دعيني اسلم على الموجودين .
- ولكنهن نساء .
- ثم ماذا مجرد سلام ومن باب البيت .
- سأسألهم ان كان ذلك ممكناً .
ودخلن البيت
انا اعرف العانيين جيدا ، هم أهلي ، واعرف ان معظمهم متضامن مع مواقفي ويقدرها ، ولعلي استطيع استخدام مهاراتي القرابية لخاطر عيون عمار .
بعد دقيقتين لا اكثر خرجت النساء من عائلة العروس يتسابقن للسلام عليَّ ، وأكثرهن ترحيباً كن النساء اللواتي تخيلت ام محمد أنهن ربما سيكن العقبة في الخطوبة . قالت إحداهن :
- دكتور معقولة انت جئت بنفسك ، والله نحن نحبك من بعيد وتشريفك لنا لايقدر بثمن ، تفضل أرجوك ، نحن فخورون بالتعرف عليك .
قلت لهن : لا شكراً لدي ارتباط واتمنى ان التقيكم لاحدثكم عن اشياء خلف كواليس السياسة ، وساكون موجوداً ولكن في خطبة الرجال واحب ان ألتقي بكن يومها .
فتعالوا لأقول لكن شيئاً بيني وبينكم :
- هذا عمار ولدي ، واذا زعل ولدي فسأزعل انا أيضاً ، هل يرضيكم زعلي .
طبعاً لا دكتور . والله نحن نحبك ولا نتمنى زعلك ،، معقولة ؟
سأختبر تقديري عندكم اليوم حين اسمع انك قمتم بتسهيل الخطبة وستفتن لي ام محمد كل شئ ً وستقول لي من منكم كانت معترضة او متشددة في الخطوبة .
- هاهاها ، دكتور تزكيتك لعمار ومجيئك بنفسك لبيتنا يكفي للموافقة .
غادرت المكان وبعد ساعتين اتصلت بي ام محمد قائلة :
شكراً ابو محمد مضت الأمور بكل ودية ، وكان لك الدور الأكبر . وقريبات البنت سهلوا الأمور بشكل أخجلنا.
اتصل بي عمار قائلاً : عمو حبيبي شكراً للفكرة الذكية ، الأرض لاتسعني من الفرح .
قلت لكم انا اعرف العانيين كم هم لطفاء ، فهم أهلي .
مبروك ولدي عمار ،
ومرحى للحب الذي يجتاح كل العقبات المصطنعة .
مقالات اخرى للكاتب