اليوم كان يوماً مروعاً لم تشهده البلاد من قبل ، يوم دامٍ آخر ، انقلبت فيه الدنيا بجد وليس بالتهديدات ، يوم حُصدت فيه أرواح الأبرياء بلا ذنب ، يوم ليس ككل الأيام ، يوم أشبه بالكابوس ، حدثت فيه تفجيرات متزامنة ، يوم مرعب إضطر فيه المسؤولون الى حشد كل قواهم واستنفار كل طاقات البلاد الامنية والطبية واللوجستية والمدنية .
ولكن مهلاً ، إياكم ان تتوهموا أنني أتحدث عن تفجيرات الحبيبية أو طوزخرماتو أو مدينة الصدر أو الكرادة أو كركوك أو الخالص أو بابل أو المسيب أو الشوملي أو الناصرية أو كنعان أو المقدادية، أو جلولاء ، او الفلوجة ،، أو،،، أو ، والتي حدثت اليوم في العراق على امتداد خارطته الممتدة من القلب الى العين .
لا ،، لا ،،لا . أنا أتحدث عن بوسطن . عن التفجيرات التي راح ضحيتها اثنان وعدد آخر من الجرحى .
العالم كله مشغول ببوسطن ، حتى مسؤولونا أنفسهم ، وقد كنت مساء اليوم عند احد المسؤولين الذي لم يكن يشاهد في التلفاز الا قناة السي إن إن لمتابعة الحدث . أما التفجيرات التي حدثت في كل هذه المدن العراقية ، ، فان لا أحد مكترث بها إلا عوائل الضحايا انفسهم ، والمنشغلون الآن بتكفين أبناءهم وأحبتهم لتبتلع أجسادهم الطاهرة في الصباح الباكر مقبرة النجف الأشرف وهي اكبر مقبرة في العالم أجمع . وقد دخلنا بها موسوعة جينيس ، تصوروا أن العراق في اشهر موسوعة عالمية ، بإنجاز كبير وعظيم : أكبر المقابر .
ولكن ثمة سؤال : لماذا هذا التمييز بين الاثنين ؟ بين الضحايا الأمريكان وضحايانا ؟ هل لأن دماءهم زرقاء وهو لون دم النبلاء ودماؤنا حمراء قانية مثل دماء الغوغاء .
لا ، ليس لهذا السبب . ولكن لأن مسؤوليهم تعاملوا بمسؤولية مع الحدث ومسؤولينا غير مكترثين او في أحسن الأحوال تعاملوا مع الموضوع بخفة ، او كجزء من الحملة الأنتخابية .
كيف ؟
قال أوباما بعد تقديمه التعازي لأسر الضحايا : نتابع مواكبة الوضع، وقد وجهت طاقة الحكومة ومواردها لحماية الناس وزيادة الأمن حول الولايات المتحدة والتحقيق لمعرفة ما يجري .
أما في العراق فلم نسمع من قدم العزاء لضحايا العوائل او زار مواقع الانفجارات ، او قال بانه اتخذ إجراءات إضافية . إكتفى بعضنا بإجترار عبارات التنديد وإصدار بيانات الاستنكار التي حفظناها عن ظهر قلب لا أكثر .
وربما قالوا – مثل الكليشهات المتكررة – ولكني حقاً لم اسمعها للآن ، ربما قالوا :أنهم سيجرون تحقيقاً في الحوادث . ولكن دعوني أسألكم ؛ هل ظهرت يوماً ما نتائج أي تحقيق نزيه ومهني في كل الحوادث التي جرت ، وحصدت أرواح أحبتنا ؟
وقال اوباما في بيان مقتضب : لا نعرف من يقف خلف هذا الهجوم ، ولا يجب التكهن المسبق حول ذلك، ولكننا سنعرف من الفاعل .
أما مسؤولونا ولأنهم اكثر ذكاء من أوباما ومن آلاف بي آي والس آي أي فإنهم يعرفون من فعل التفجيرات بل وحتى قبل وقوعها . أنها تنظيمات القاعدة والبعثيون . ونكايةً بالمسؤولين فان بعضنا ألاخر يقول : لا بل إنها المليشيات وعصائب الحق حلفاء الحكومة .
ولأن الحكومة تعرف معلومات أكثر مما يعرفه أي جهاز مخابرات عالمي فإنها تقول : ان وراءها أجندات خارجية متمثلة بحكومتي قطر وتركيا ( فقد أصبحوا يستبعدون السعودية شماتةً بالدوحة ) ، أما أنا فنكاية بهم أقول : بل نحن متأكدون بأن من يقف خلفها هما حكومة طهران ونظام بشار الأسد .
قال أوباما : ان كل من هو مسؤول – من أشخاص أو مجموعات – سيشعر بقوة وطأة العدالة بعد ان نقدم مرتكبي الحادث الى القضاء . أما حكومتنا فانها أكثر عدالةً من القضاء المختص نفسه لذا سمعناها تقول مؤخراً : بان لديها ملفات جاهزة عمن دعم ، بل وعمن سيدعم العمليات الإرهابية مستقبلاً ، أنهم مسؤولون في الدولة وبرلمانيون في القوائم المنافسة ، ولكنها لاتقدم ملفاتهم للقضاء خوفاً على العملية السياسية من الانهيار !!! .
مسؤولوهم ولحد أصغر مفوض شرطة في بوسطن يعرفون كم عدد القتلى والجرحى بالضبط دون زيادة او نقصان ، هما قتيلان و49 جريحاً وهي معلومات يجري تحديثها ، أما نحن فكل الأرقام متضاربة ، لانها أرقام ليس إلا ، مجرد أرقام في سجل الموتى والجرحى ، وأتحدى كل من يأتيني بعدد ضحايانا النهائي من مصدر مسؤول .
فيا أهلي واحبتي المفجوعين بابنائكم ووطنكم ، يا ضحايا الأمس واليوم والغد ، يا ضحايا انتخاباتنا المغمسة بدمائكم ، هل تعرفون ما الفرق بين ضحايا بوسطن وضحايا مدينة الحبيبية ؟
إنه كالفرق بين مسؤوليهم ومسؤوليكم .
ولا ابرئ نفسي من الإثم .
مقالات اخرى للكاتب