قد يبدو العنوان غريبا ، لكنه حقيقة ، حصلت معي أواخر الستينات من القرن الماضي ، وكنت يومها طالبا في الخامس الثانوي في ( ثانوية الحي ) ، تذكرتها ، وانا اتابع حوارا حول واقع التربية والتعليم ، تذكرته مع قرب انتهاء العام الدراسي ، وإحتمال أن تتكرر مرة أخرى بدعة ( الدور الثالث ) لما لها من دور كبير في انخفاض مستوى التعليم.. .. فاين هذه الحالة بالمقارنة مع حال التعليم بعد أن أصبح النجاح (بالدفعات) بإختراع تلك ( البدعة) خارج الضوابط المتعارف عليها، وهذا سيؤدي الى خلق اجيال ليست بالمستوى المطلوب ، ومؤهلات المرحلة العلمية للطالب ، وتفشي الامية التي تغيرت معايير العالم والعصر في قياسها.. فاين نحن منها اليوم..؟..
لقد رسبت في مادة الرسم ، لأنني نسيت أن اؤدي الامتحان فيها ، وصادف موعده بعد مادة الانكليزي في اليوم نفسه ،و مدرس المادة الاستاذ عبد الله السلمان رفض عذري رغم أنني كنت من المتفوقين ، وعد غيابي عن الامتحان إهمالا ، أو استخفافا بالمادة ، التي كان جديا في تدريسها ، ويرى أن لها دورا مهما في إعداد الطالب ، وليس مادة هامشية ، او بحكم الملغاة ، أو لاكمال الحصص كما يعدها البعض . وحاولت جاهدا دون جدوى ، وزملاء اخرون في اليوم الثاني إقناع الاستاذ عبد الله بانني نسيت وجود مادة اخرى في جدول الامتحان لذلك اليوم قبل
إنصرافي الى البيت ، كما حاول مديرالثانوية الاستاذ الفاضل المرحوم عبد الرزاق الدراجي صاحب اطروحة الماجستيرعن السياسي العراقي جعفر ابو التمن ، ومدرسون اخرون أيضا ، لكنه اقنعهم برأيه ومبرراته ، وبالتالي ليس امامي غير أن أعيد امتحانها في الدور الثاني .. معان كثيرة تضمنتها تلك الحالة الفريدة ، كان من ابرزها ، ان شخصية المعلم والمدرس والاستاذ ، لها انعكاس كبير ومؤثر في شخصية الطالب داخل الصف والمدرسة وخارجها ، ويستمر تأثيره في كل حياته ، لانه الانموذج والقدوة والمثل المجسد عمليا امام الطالب الذي يصنع منه ما يشاء ، ايجابيا أو سلبيا ، حسب مستواه وشخصيته ، وحاله حال الطبيب المسؤول عن حياة المريض ، الذي لا تأخذه العاطفة في المعالجة ولا ينقصه العلم في عمله .. والمعنى الأخر أن جميع الدروس لها أهميتها ، ويكمل بعضها البعض في العملية التربوية ، وكل مادة لها دور مرسوم في بناء الطالب ، لهذا لها حصة ضمن المنهج المقرر والجدول ، بما في ذلك الانشطة اللاصفية التي لم يعد لها وجود بسبب البنايات المدرسية التي لم تتح متسعا من الوقت يكفي للمناهج المقررة فما بالك ( بالمستحبة )! .
أن التعليم يقوم على دعامتين أساسيتين ، هما ( المادة والاستاذ، ذو الشخصية القوية المتمكن من مادته) ... والدول التي حباها الله بنعمة التقدم ، ترى ( أن التربية اساس التعليم ، وبناء الشخصية يتقدم على التلقين ) ، و( النجاح والرسوب ، لا يعكس المستوى الحقيقي للطالب ، اذا لم تكن النتائج بمستوى ما استوعبه من علم ومعرفة مقرونا بالسلوك ) ، وذلك لا يتحقق الا بالمربي الذي يحمل من المؤهلات العلمية والمواصفات الشخصية والتربوية ما يؤهله ليتولى مهمة يشارك بها في صناعة الانسان .
والتعليم ( لا يخضع الى العواطف والظروف ، بل الى استراتيجية متكاملة ومراحل لبلوغ الاهداف المحددة تحكمها قوانين وتعليمات وضوابط ..)..
يمكن أن تساعد المواطن وتمنحه ما تشاء من مكارم وعطايا وهبات ومساعدات ، ولكن لا يصلح ذلك في التعليم ... فكيف يمكن ان ترحل طالبا الى مرحلة اعلى ، ليس بامكاناته الذاتية ، بل بدفع ، وبقرارات تحاول ان تجد لها تفسيرا وتبريرا ليس لها علاقة بالسياقات العلمية الصحيحة ..
والى الان يتذكر العراقيون عام الزحف ، 1957 – 1958 والاضرار التي لحقت بالاجيال لسنوات طويلة وبسمعة العراق العلمية والتربوية ..
ونجاح الطالب بهذه الطريقة لا يختلف عن ذلك الزحف سوى بالتسمية ، مهما كانت مبررات الظرف الضاغط والقاهر، الذي يتذرع به الطالب، ويخضع له صاحب القرار مأخوذا بالعاطفة او الحاجة الظرفية قبل الضرورة العلمية والمهنية التربوية ومصلحة الطالب والبلد...
كلام مفيد :
طفل واحد ، استاذ واحد ، كتاب واحد ، وقلم واحد ، بامكانهم تغيير العالم .. التعليم هو الحل .. التعليم اولا ... ( ملالا يوسف زي ) .. اصغرحاصلة على جائزة نوبل ..
مقالات اخرى للكاتب