يهلّ علينا نائب رئيس الوزراء حسين الشهرستاني كلَّ يوم من خلال الصحف والفضائيات، ويتعاطى العراقيون جرعاتٍ مسكنةً من التصريحات التي يطلقها وزير الكهرباء عبد الكريم عفتان صاحب موسوعة "148 " صورة وصورة.
وبرغم كثافة الحضور الإعلامي للسيد الشهرستاني ، إلا أن واقع الأمر يثبت بالدليل القاطع أن أحدا في العراق لا يثق على الإطلاق بتصريحاته ، والدليل أن معظم العراقيين يسخرون حين يسمعون أن هذا العام سيكون الأخير في سلسلة معاناتهم مع الكهرباء، فالثابت أن الناس تعطي آذانها للمشككين في سياسات الوزارة أكثر ممّا تعطيها للشهرستاني وتابعه عفتان ، ويمكن القول إن حجج الوزارة وأجهزتها تبدو واهية ومتهالكة بحيث لم تصمد في وجه ما يقوله الرافضون لبيانات الوزارة والمشككون فيها، وفي المحصلة النهائية يمكن القول إن الغالبية العظمى من العراقيين لا تعتبر وزارة الكهرباء أمينة وصادقة في تصريحاتها، ومن ثم فإن الناس تعطيها "الأذن الطرشة" على حد تعبير أهالي بغداد.
ووفقاً للأرقام المعلنة حتى الآن فإن عشرات المليارات صرفت من أموال العراقيين على الكهرباء حتى أن البعض قال ساخراً إن ما نهب من ثروات البلد بحجة إصلاح الكهرباء يكفي لشراء أصول شركة 'جنرال ألكترك' ومعها شركتا "سيمنز وإلكترونك" .
كنا قد سمعنا تصريحاً للسيد الشهرستاني عند توليه وزارة الكهرباء وكالة أيضا عام 2010، حيث قال بالحرف الواحد "سنوفر الكهرباء بطاقتها الكاملة نهاية عام 2011"، ومضت الأيام والشهور والناس لم تر سوى الظلام، وبعد أن تولى الشهرستاني نفسه منصبه نائبا لرئيس الوزراء قال في مؤتمر صحفي "إن الكهرباء ستكون من أولويات لجنة الطاقة وإنه في عام 2012 سنغلق ملف الكهرباء "، تجليات النظرية الشهرستانية يمكننا أن نلاحظها في التصريحات المتناقضة التي ظهرت بعد فضيحة العقود الوهمية والجدل بشأن مسؤولية الوزير أم مسؤولية نائب رئيس الوزراء، وهو جدل يدخل ضمن معظم قصص الفساد التي يتم كشف الكثير منها، لكن سرعان ما يسدل عليها ستار النسيان لأسباب لا يعلمها إلا الله و"المقربون من الحكومة".
ولأن العشوائية هي المتحكم الرئيسي في كل حياتنا فيصعب أن نعثر على رقم واحد وحقيقي للمبالغ التي صرفت على الكهرباء، فاللعب بالأرقام سياسة حكومية مستمرة منذ أن أطلق السيد الشهرستاني تصريحه الشهير عن ثمار الزيادة في صادرات النفط،، ثم طور السيد المالكي الأمر بأن قال "إن العراقيين يعيشون أزهى عصورهم"، طبعا الفقراء في العراق لا يشغلهم كم تبلغ نسبة النمو، وهل زاد العجز أم حدث انكماش، ولا تشغلهم تعبيرات الشهرستاني عن ثمار التنمية، كل ما يشغلهم عجزهم الشخصي عن تلبية احتياجات أسرهم، وأن يملكوا مالاً، كي يروا ثمار التنمية في سكن صحي وكهرباء مستقرة وأمن وأمان لأبنائهم.
ما ينبغي أن نلفت إليه نظر الشهرستاني وكل المسؤولين في الحكومة، هو أن يسألوا أنفسهم لماذا لا تصدقهم الناس؟ وأرجو ألا يلجأ السيد الشهرستاني إلى أرقام وبيانات حكومية نعلم ويعلمون كيف تمت وتتم.
ما أتمناه بصدق من الجميع أن يكلفوا فريق بحث ميدانياً لينزل متخفياً إلى الشارع ويسأل الناس عن حقيقة مشاعرهم ورأيهم في الحكومة وسياساتها، شخصياً أعرف ماذا ستكون النتيجة، لأنني على كثرة ما تجولت في الشوارع واحتككت بالناس، لم أسمع الكثير منهم يتحدثون باحترام عن الحكومة ورجالها، قد نكون شعباً ناكراً للجميل، وقد يكون الإعلام لا يبحث إلا عن الغريب والمثير في الأخبار، وربما يكون عميلاً ويطبق أجندة خارجية، لكن في كل الأحوال لا أحد يحب الحكومة.
تذكرني تصريحات الثنائي شهرستاني وعفتان بمسرحية بريشت الشهيرة "بونتيلا وتابعه ماتي " حيث قدم لنا فيها حالة الفصام الشخصي الذي يعانيه المسؤول.. فهو ودود وطيب حين يتحدث مع الناس ، لكنه يتحول إلى وحش كاسر إذا أحسَّ بالخطر على مصالحه .. فالكذب يصبح شاهدا على ازدواجية بونتيلا ..فهو يعدُ الناس بالرخاء في المساء .. لكن ما أن تشرق الشمس حتى يتحول إلى شخص آخر .. ولهذا أتمنى على الحكومة أن تصدر بياناً تناشد فيه الشعب ألا يصدق ما يعلنه الوزراء، حتى لا يصابوا بأزمات قلبية أو نفسية.
وبما انه لا توجد ضريبة على الكلام، ولا توجد قوى سياسية ومدنية جادة تهدد الحكومة ولا يوجد مجلس نواب حقيقي يستطيع أن يحاسب المسؤولين على تصريحاتهم.. وبما أن الشعب مغيب أو شبه مغيب وقرر الاكتفاء بالشكوى و رفع يديه بالدعاء على الامريكان فقط. من اجل كل ذلك لا يمكننا أن نستغرب لو خرج علينا كل يوم بونتيلا جديد يطلق لخياله العنان عن المستقبل الوردي الذي ينتظر العراقيين في الأيام القادمة شرط ان يواصلوا مشاهدة العرض المسرحي المثير " الشهرستاني وتابعة عفتان.