٢٤٣ تريليون دولار عملة ورقية لاقيمة لها ، لانها غير مغطاة بقيمة ذهب .
أعلن الجنرال الفرنسي شارل ديغول في الستينات من القرن الماضي الحرب على العملات الورقية (الدولار الأمريكي) ، بعد أن استمع إلى طرفة (نكتة) ، تقول أن لوحة من لوحات الفنان روفائيل عرضت للبيع فدفع العربي ثمنها نفطا ، ودفع الروسي مقابلها ذهبا ولم يحصلا عليها ، بينما دفع الأمريكي رزمة بقيمة عشرة آلاف دولار فكانت من نصيبه .
وحين علم ديغول بأن قيمة مبلغ العشرة الاف دولار الأمريكي لا يتعدى في نهاية المطاف قيمة 3 دولارات فقط ، إذ أن القيمة الحقيقية للعملة الأمريكية من فئة 100 دولار تساوي ثلاثة سنتات فقط ، صرح حينها أن فرنسا سوف تتخلى عن تداول الأوراق المالية الخضراء (الدولار) ، وستعود في حساباتها الدولية إلى التعامل بالذهب .
ان تكرار ما بدأ به الجنرال ديغول بالخروج من منطقة العملات الورقية الامريكية، والعودة إلى الأساس الذهبي للعملات ، تعتبره الولايات المتحدة إعتداء على أقدس المقدسات لدى العالم المعاصر ألا وهو مصالح المنظومة البنكية العالمية .
وهذا التعدّي تعتبره إعلان حرب عليها ، ولابد من إيقافه بأي وسيلة .
وقد جرى في العام 2011 طرح مبادرة برلمانية في المجلس الوطني السويسري حول إدخال وحدة نقدية إضافية وهي "الفرنك الذهبي" إلى التداول ليكون عملة عامة قادرة على حماية الفرنك الورقي من حمى شراء المستثمرين الأجانب للفرنك السويسري في حال الهبوط الحاد في قيمة الدولار أو اليورو.
ويزداد اليوم التوجه نحو العودة إلى الأساس الذهبيى حتى في أمريكا ففي ولاية يوتا الأمريكية تم الاعتراف في العام 2011 بقانونية تداول سبائك الذهب والفضة والمعادن الثمينة الأخرى كعملة قابلة للتسديد كما تنوي عدة ولايات أخرى منها كارولينا وكانزاس الانضمام إلى هذه المبادرة إذ من الهام جدا أن يكون لدى المواطنين حرية اختيار العملة المغايرة كليا كون المنظومة المالية العالمية اليوم مبنية على الاستحقاقات الإئتمانية أي أنها مبنية على لا شيئ وعلى العالم أن يدرك ذلك.
ويرى خبراء أن هذه التدابير التي قد تعتبر إجراءات شكلية إلا أنها تدل في الوقت ذاته على فقدان الثقة لدى الأمريكيين بالعملة الورقية "الدولار" المترنحة والسياسة المالية العرجاء للولايات المتحدة لذلك تلجأ منظومة الاحتياطي الفيدرالية والبنوك المركزية في العالم بهدف القضاء على هذه الرغبة باستخدام الذهب والمعادن الثمينة في التداول النقدي إلى خفض قيمة الذهب بشكل متعمد كي لا تتمكن المعادن الثمينة من منافسة الدولار الورقي .
ويعتبر فقدان الوسائل الأمينة لحماية قيمة الحياة من إحدى معضلاتها الاقتصادية المعاصرة كما تفقد العملات الورقية هذه الميزة بشكل واضح وعلى مدى ما يقارب من ألفي سنة تقريبا وحتى قبل 40 - 50 سنة مضت كان الذهب يعتبر أهم وسيلة للإدخار وعملة قابلة للتبادل .
إن أمريكا اليوم تصدر التضخم إلى الدول النامية ، ولكن يجري تبادل البضائع وفقا لعملة تفقد قيمتها يوميا بالتدريج ويأتي هذا الوضع في صالح الأغنياء الذين يهيمنون على الأنشطة المالية العالمية التي يبلغ حجمها 250 ترليون دولار أي تزيد نسبتها عن حجم الناتج الاجمالي المحلي العالمي من الذهب بـ360 بالمائة منه بمعنى آخر إن حجم الذهب المستخرج في كل العالم لا يزيد عن 170 ألف طن تقريبا وأن قيمته الحالية الحقيقية اليوم بالدولار لا تتعدى 7 ترليون دولار ، ما يدل على أن القسم الأعظم المتبقي من رؤوس الأموال في العالم لا قيمة حقيقية لها في واقع الأمر ، وعلى أن المنظومة المالية العالمية مبنية على حجم هائل من الديون .
ومن جهة أخرى يطبع المنظم المالي الأمريكي سنويا واحد ترليون دولار لتغطية العجز في الميزانية ولدعم التوازن المصرفي في البلاد وخشية من التأثير سلبا على سعر الدولار وإيجابا على سعر الذهب تقوم منظومة الاحتياطي الفيدرالية ببيع الذهب عبر المؤسسات المالية المستفيدة الثلاث (جي بي ومورغان وغولدن ساكس) بواسطة شراء سندات ذهبية تستبدل بسبائك ذهبية بأسعار مخفضة ثم تباع هذه السبائك في السوق الآسيوية محققة بذلك أرباحا خيالية من جهة وحامية الدولار من المخاطر المحيقة به من جهة أخرى .
إن استصدار العملة الأمريكية بهذه الكميات الهائلة لا يمكن أن يستمر إلى الأبد ولابد من أن يفجر التضخم الجاري اليوم في قيمة الدولار والذي مازالت الولايات المتحدة تتمكن من التحكم به عن طريق تصديره إلى الدول المتعاملة بالدولار وخصوصا النامية منها ما يدل على أن هناك تنافس جار بين الغرب الذي يعتمد على العملة الورقية والشرق الذي يحاول الاستناد إلى الذهب ولا شك أن هناك نخبة في الغرب تدرك تماما أن تدمير الدول التي تحاول حماية ثرواتها لن يمنع شمس العملة الورقية من الأفول .
مقالات اخرى للكاتب