تشترك غالبية الكتل السياسية في العراق على عدم الموافقة لولاية ثالثة لرئيس الوزراء العراقي الحالي نوري المالكي ، بل يذهب الكثير من تلك الكتل الى عدم موافقتهم لأي ولاية ثالثة لأي رئيس وزراء مقبل ، ذلك لما تمثله من رؤية تتحول الى السيطرة والنفوذ والاستبداد الاداري والحكومي يبدأ من اطالة الحكم لأي شخص يتسنم هذا المنصب ، نتيجة الطبيعة السياسية العراقية التي تحتم خلق دكتاتوريات اقلها على مستوى الادارة والانفراد بالقرارات الوزارية بل تتعدى حتى على صلاحيات الرئاسات الاخرى وتعطيل دور البرلمان .
شهد العراق وكحاله من الدول العربية تسلط الاحزاب السياسية بمجرد بروز رئيس وزراء من ذلك الحزب او الكتلة ، بل حتى الدول الاقليمية المجاورة شهدت هذا الحال كتركيا وايران ، حيث تبدأ المؤسسات الدستورية بتعطيل كل صلاحياتها على حساب نفوذ الرئيس الحاكم وحزبه وتياره ، وهذا مما لا شك فيه ما تشهده طبيعة المنطقة من الانفراد والتسلط وسياسة التهميش ، وليس لدور الطائفية او المذهبية او القومية دور كبير في ذلك ، بل كل ما في الامر ان سلطة الحاكم وما يلحقها من انتماءه الديني والمذهبي والقومي تفرض ارادتها على ارض الواقع في الواقع السياسي . وهنا تخرج ارادة ثانية بخط مواز لتسلط نفوذ الحاكم الا وهي الشعب ، فلقد اعتادت المنطقة في غالبية شعوبها على اوحدية الحاكم لشؤون البلاد ، حتى بات الحاكم يتحجج بالإرادة الشعبية التي اوصلته لكرسي الرئاسة – برلماني او رئاسي كان نظام الحكم – وخير مثال لنا ما تشهده مصر والعراق .
في ضوء هذه المقدمة نرى ان الازمة العراقية لا تتعلق بشخص رئيس الوزراء الحالي نوري المالكي ، بل هي في المنظومة السياسية والشعبية التي يعيشها الوضع السياسي في المنطقة ، ومن اجل هذا فلا سبيل من وقف هكذا ارادت متسلطة في الحكم بتغيير الدستور او تعديله . فمشكلة المالكي تكمن في الاخطاء الدستورية التي تسمح له المطالبة بولاية ثالثة مع وجود شركاء سياسيين يمثلون غالبية الشعب العراقي - مناطقية ودينية واثنية وقومية - يجمعون على سوء الادارة والانفراد في اتخاذ القرارات وغيرها من المؤاخذات الادارية والسياسية التي سجلت ضد المالكي ، من كتل واحزاب شيعية وسنية وكردية وعلمانية ووطنية . المشكلة في العراق حاليا حلها الوحيد بيد المالكي ، فمازال يدير ظهره لكل نصيحة وانتقاد لولايته الثانية ، بل ان الدولة العراقية بجميع مؤسساتها اختزلت في شخصه كرئيس للحكومة وفي حزبه ، فلا صوت مسموع حتى لأحزاب ينتمون لطائفته ، ولا لسياسيين عملوا معه في الخارج ابان المعارضة العراقية او في الداخل من وزراء ومسؤولين ورؤساء احزاب لهم تاريخ طويل في النضال ضد الدكتاتورية السابقة ، ولا حتى من مرجعيات دينية التي تعتبر حسب مفهوم طائفة المالكي بانهم صمام امان للامة .
فقبل عدة ايام طالعنا المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي ببيان وضع النقاط فيه على الحروف حيث عبر فيه عن ان المشكلة العراقية اليوم تبدأ من الحوار وقد حدد عموميات يفهمها العاقل حيث مما جاء فيه " ... ان يقبل الجميع بكل التنازلات التي يتطلبها إنقاذ العراق وشعبه من محنتهما، مهما كانت تلك التنازلات صعبة من وجهة نظر أصحابها ". رغم ان البيان جاء فيه مضامين كثيرة لحل الازمة الحالية ، الا ان مسالة التنازلات يجب تؤخذ بعين الاعتبار ، ونحن نقول من دون ان يقدم المالكي تنازلا كبيرا وان يجعل لمؤسسة التحالف الوطني الدور في اختيار رئيس وزراء جديد ، فلا عملية سياسية ستبقى ولا حلفاء للمالكي سيصمدون، لان وقتها ستنهار الدولة التي هي الان على مفترق طرق ، ونقطة التقاء تلك الطرق واعادة حيويتها يبدأ من المالكي ، لتقوية التحالف الوطني كمؤسسة سياسية كبيرة تحظى باحترام وتوافق عند الشعب العراقي ، وكذلك اعادة الثقة مع الفرقاء السياسيين من السنة والكرد وغيرهم . التنازل هنا لا يعني الخسارة ، وماء الوجه سيتحول دليل على وطنية الشخص الذي يتنازل ومدى احترامه لشعبه ووطنه .
اما مشكلة داعش وما رافقه من احتلال الموصل الحدباء وبعض المدن العراقية ، فمن وجهة نظري انها ستنحسر مع تقليص حواضنها ، ومعركتها ستسهل زمن الانتصار ، فمن دون حل سياسي كبير على ارض الواقع فلا نجاة لاحد من طوفان الغد ، وتجيش المجتمع بهذه الطريقة دون وضعها اخر الحلول لهو الغباء السياسي الذي سيرهق المجتمع ويتحول الى دم ، بل ان عودة المظاهر المسلحة التي كافح المالكي من اجل اخمادها واليوم هو الذي يستعين بها ، يجعلنا اشد اصرارا على تنحيه واعطاء الفرصة للتحالف الوطني لاختيار البديل ، لان الذي لا يحمل ستراتيجية بعيدة المدى في حل الازمات كيف يتم الموافقة له على ولاية ثالثة لأربعة سنين قادمة ، فكيف سنتصور شكل البلاد وقتها .
مقالات اخرى للكاتب