العراق تايمز ــ كتب سلام المالكي: محمد مصبح الوائلي القيادي في حزب الفضيلة الاسلامي ومحافظ البصرة الاسبق ... تولى منصب المحافظة من العام 2005 الى العام 2009 شهدت فترة مسؤوليته لإدارة محافظة البصرة جدلا كبيرا وواسعا ، فبين الطموح الجامح الذي كان يتمتع به من اجل تقديم وتنفيذ مشاريع كبرى في المحافظة واحلام واسعة لتطويرها والنهوض بها كمدينة هي عروس الخليج بالنسبة اليه ، وبين الصراعات والخلافات السياسية والعنف المسلح الذي اعاق قدرته كمسؤول حكومي على اعادة الاعمار او تحقيق الكثير من طموحاته في خدمة ابناء محافظته وجعلها عاصمة اقتصادية يقصدها القاصي والداني من بقاع الارض .
محمد مصبح الوائلي من مواليد البصرة عام 1957 متزوج وله ولد واحد وخمسة بنات وله من الاشقاء عشرة .. اما تحصيله الدراسي فهو دبلوم هندسة مساحة ، كان يتمتع بكارزمة عجيبة بأقناع الاخرين في تطلعاته ، اضافة الى قوة شخصيته التي جعلته صاحب قرار قوي في اشد الازمات التي مرت بها مدينة البصرة .
عاصر الشهيد محمد مصبح الوائلي الحركة الاسلامية التي قاد صحوتها السيد الشهيد محمد الصدر الثاني قدس سره الشريف فكان من المناصرين والمقربين للسيد الشهيد منذ ما يقرب من العام 1994 وكان من الداعمين له بقوة هو وأخوته ،وأسرته حتى امتدت الى العلاقة العائلية بين عائلة الشهيدين ، ومن اشهر من كان داعما لحركة السيد من اخوته اسماعيل مصبح الوائلي المعروف بابو سيف الوائلي والذي لديه وكالة من السيد في ادارة امور المرجعية خارج العراق .
وقد عرف منزل عائلة الشهيد محمد مصبح الوائلي مقصدا لعائلة ال الصدر ففي تسعينيات القرن الماضي وبعد افتتاح حسينية الغدير في البصرة حيث قام بافتتاحها السيد الشهيد مصطفى الصدر النجل الاكبر للشهيد الصدر حيث اختار المبيت في دار الشهيد محمد مصبح الوائلي حيث قال سماحته اني " سأنزل عند اشرف بيوت اهل البصرة " .
وبعد الفترة التي اشتدت يد النظام البعثي على السيد جعفر الصدر نجل السيد الشهيد محمد باقر الصدر قدس سره وعائلته من قبل عناصر امن المقبور صدام تم التنسيق بين السيد الشهيد محمد الصدر وإسماعيل الوائلي شقيق الشهيد من اجل تهريبهم الى خارج العراق عن طريق مدينة البصرة الى ايران حيث مكث السيد جعفر الصدر في دار محمد الوائلي وتم نقله الى الحدود العراقية الايرانية بسيارة الشهيد محمد مصبح الوائلي .
وبعد ان نجح الشهيد محمد مصبح الوائلي وشقيقه اسماعيل بهذه المهمة كلفه السيد الشهيد محمد الصدر مرة اخرى بنقل العلوية زوجة السيد جعفر الصدر الى ايران وبعد ان مكثت ليلة في دار الشهيد محمد مصبح الوائلي ..قام بنقلها بسيارته الى الحدود مع شقيقه اسماعيل وبذلك يبرز الدور المشرف للشهيد محمد مصبح الوائلي وعائلته في الحفاظ على عائلة الشهيد محمد باقر الصدر " قدس سره " من خلال الامانة التي كلفهم بها السيد الشهيد محمد صادق الصدر .. حيث ما لهذه المهمة من خطورة جسيمة عقوبتها الاعدام كذلك تكشف لنا مدى الثقة العالية التي اولاها الشهيد الصدر لهذه العائلة .
وبعد ان اغتالت السلطة الجائرة انذاك السيد الشهيد الصدر الثاني قدس سره الشريف وبعد ان تم اعتقاله من قبل ازلام النظام السابق عام 2000 بسبب دعمه لانتفاضة السابع عشر من اذار عام 1999... حيث اودع لمدة ستة اشهر في مديرية امن صدام في بغداد وأفرج عنه بعدها حيث لم يحصلوا منه على اي اعترافات شفهية او خطية رغم التعذيب الجسدي .
وبعد شهر من الافراج عنه تم اعتقاله مرة اخرى ولمدة خمسة وأربعين يوما في مديرية امن البصرة بعدها تم الافراج عنه ، وبقيت الام التعذيب الجسدي تلاحقه حتى وفاته حيث اصيب اثر التعذيب بكليته وبعض اجزاء من جسده ... رغم ذلك واصل طريقه الجهادي والرسالي بعد الافراج عنه من خلال الدعم المادي الذي كان يقدمه لعوائل مجاهدي الانتفاضة الذين اعتقلوا في سجون نظام صدام في البصرة مع رفيق دربه عقيل طالب " ابو حمد " عن طريق الطبيب المشرف على تلك العوائل في سجن الاصلاح في البصرة *.
وخلال تلك الفترة كان على اتصال دائم بمرجعية سماحة الشيخ محمد اليعقوبي دام ظله في النجف الاشرف والداعم لها مع اخوته واسرته وبعد سقوط الصنم عام 2003 ... وبعد تشرف سماحة المرجع بالحج الى الديار المقدسة لبث ليلته دام ظله في دار الشهيد محمد مصبح الوائلي .
وخلال تلك الفترة التاريخية من تاريخ العراق السياسي ..لبى شهيدنا الغالي كبقية اخوته في هذا الخط المبارك نداء مرجعية الشيخ محمد اليعقوبي في وجوب التصدي للمشروع السياسي الاسلامي وبلورته من خلال تأسيس حزب الفضيلة الاسلامي فكان من قادة الحزب والمؤسسين له في محافظة البصرة بعد ان كان العمل قد تبلور في الجناح الديني للمرجعية الرشيدة الا وهو جماعة الفضلاء ..
وفي اول انتخابات محلية لمجالس المحافظات بالعراق... تم ترشيح الشهيد للدورة الانتخابية الاولى لمجلس محافظة البصرة في العام 2005 مع اخوته في الحزب من عراقيي الداخل .. حيث حصل فيه الحزب على 12 مقعدا وتم ترشيحه كمحافظ للبصرة ..ليكون اول محافظ لمدينة البصرة من عراقيي الداخل الذين عانوا هموم ومعاناة شعبهم في الداخل ولم يغادروه رغم قسوة الظروف آنذاك .
بالرغم من انه ادار مدينة هي الاغنى في العالم من حيث الاحتياطي النفطي ألا انها في حينها كانت مدينة خراب اثر الحروب الصدامية الرعناء التي اطاحت كلها بهذه المدينة ... فالبنية التحتية هي صفر والمؤسسات الحكومية ايلة في هيكلها التنظيمي الاداري والعمراني كل ذلك مع وجود قوات محتلة للمدينة وجهات معادية بالسلاح لتلك القوات ... مع خارطة سياسة صعبة من الاحزاب والتشكيلات الاخرى وأجهزة امنية لا حول ولا قوة لها في السيطرة على الامن اضافة الى الخارطة الجغرافية الاقليمية الصعبة للمدينة وتصارع النفوذ الاقليمية على المدينة خصوصا ايران ومشكلة المياه وترسيم الحدود مع الكويت كل تلك الامور كانت بانتظار من يديرها بشكل انسيابي وتنظيم لا يرضي الاخرين ... كان فيها الشهيد محمد مصبح الوائلي المنتمي الى حزب الفضيلة الاسلامي في اختبار صعب.
مشكلتان مهمتان كانت تواجه المحافظ الجديد اولهما الحد من تهريب النفط ومشتقاته والسعي من اجل اقرار ميزانية تليق بهذه المدينة الكبيرة في عطائها الاقتصادي والخاوية في عمرانها المدني ... ولكن كلتا هاتين المهمتين كلفته الكثير ، ابشعها النيل من سمعته وتسيقطه سياسيا واجتماعيا من خلال الطابور الخامس الذي اشتغلته الاحزاب الاسلامية الشيعية المدعومة من ايران .
كل ذلك استطاع ان يعمل الشهيد محمد مصبح الوائلي لمدة عام كامل دون ادنى ميزانية استثمارية في محاولة لثني حزب الفضيلة الاسلامي من التقدم في مشروعه الاصلاحي والتغيري للمدينة من خلال العقول والكفاءات التي تمتع بها الحزب من الاكاديمين والفنين وكان مشروع حزب الفضيلة الاسلامي في مواجهة صعبة مع بقية التيارات في ادراة المحافظة وكان البرنامج الاصلاحي للمدينة الذي كان يتبناه الشهيد محمد مصبح الوائلي في جعل البصرة كالأمارات العربية المتحدة كاد ان يتلاشى تحقيقه ولو جزء يسير منه بعد ان تم عرقلة مساعي اقرار ميزانية محترمة لمدينة البصرة ..
بعدها قام الشهيد بالزحف نحو التيار ومقارعته حيث استعمل ذكائه السياسي والاجتماعي والكاريزما التي يتمتع بها في التغلب على هذه المشكلة التي كادت ان تقصم حلمه .. حيث استطاع من اقناع كل الاطراف الصديقة وغير الصديقة في الحكومة الاتحادية والبرلمان ورئاسة الجمهورية من اجل اقرار ميزانية كبيرة تليق بمستوى محافظة البصرة .. فنال اعجاب معظم السياسيين في الطريقة التي كان يتفاوض بها ونشأت له علاقات كبيرة حتى مع السياسين والدبلوماسين خارج العراق فضلا عن داخله ... فلم يكن عدائيا مع احد ولكن واضحا في كشف الامور من اجل وضعها امام انظار الناس لانهم من يشكلون الرأي العام رغم ان جهات معادية له استطاعت ان تقنع الرأي العام خلافا لذلك .
استطاع بعد ذلك الشهيد محمد مصبح الوائلي وبعد اقرار الميزانية من تنفيذ وتخطيط العديد من المشاريع الخدمية والاقتصادية وغيرها من المشاريع في محافظة البصرة حيث قام بإنشاء المدينة الرياضية التي يجري العمل بها حاليا لاستضافة الدورة الرياضية كذلك وضع حجر الاساس لجسر التنومة الحديدي ومجسر شهداء الانتفاضة في مفرق باب الزبير.. وانجاز مبنى قصر العدالة والمبنى الجديد لديوان محافظة البصرة ذي الطراز العمراني الحديث حيث قام بافتتاحها رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي الذي عبر بخط يده عن هذا الانجاز العمراني الكبير شاكرا الاستاذ محمد مصبح الوائلي انجازاته في المحافظة .
كذلك وضع حجر الاساس لمدينة البصرة الجديدة وتأهيل وترصيف وتشجير الطرق العامة وبناء المدارس والمستوصفات الصحية وغيرها الكثير من المشاريع رغم قلة الميزانية مقارنة بالميزانيات الترليونية اللاحقة لمن اتى من بعده ، ورغم هدوء المناخ السياسي والأمني إلا ان نسبة الانجاز انذاك كانت في تقدم . رغم ذلك لم يكتب له اتمام معظم المشاريع بسبب الظروف التي كانت تعيشها البصرة آنذاك من قبيل الصراع بين الاحزاب السياسية في البصرة والخلاف المحتدم بينه وبين الحكومة الاتحادية والمحلية ..
وبعد عدة جولات مكوكية استطاع الوائلي من اقناع رجال الاعمال والشركات والدول من زيارة البصرة والاطلاع على المناخ الاستثماري فيها رغم الوضع الامني غير المستقر والخلافات السياسية المحتدمة الا انه استطاع من وضع اللبنة الاولى لمشروع الاستثمار في البصرة من خلال تشكيل هيأة الاستثمار في المدينة لتكون حاضنة وراعية للمستثمرين العراقيين والعرب والأجانب .
اضافة الى خطوة سياسية ودبلوماسية اخرى قام بها الشهيد الوائلي حيث قام بإقناع الدول الاقليمية والعربية والأوربية من اجل التفكير في افتتاح قنصلياتها في المحافظة كتركيا وإيران ومصر العربية والإمارات وروسيا وغيرها من الدول .. حيث عبر رئيس الخارجية الايراني هوشير متكي بكلمة للشهيد الغالي قائلا في احدى تصريحاته " وجدته رجل دولة " .
اضافة الى ذلك فاستطاع من تطوير العمل الاداري والفني داخل ديوان محافظة البصرة والإطلاع على كل صغيرة وكبيرة في المديريات التابعة للمحافظة مع تمديد فترة العمل الى العاشرة ليلا لانجاز الاعمال الادارية والفنية التي تخص المشاريع مع احتساب مكافاءات مالية العمل الاضافي اضافة الى تنشيط العمل الاعلامي .. وفتح بابه للمثقفين والأدباء ودعمه للحركة الثقافية في المحافظة من خلال احتضان المهرجانات والملتقيات الثقافية .. اضافة الى فتح بابه الى المراجعين اسبوعيا ..
رغم العلاقة المتشنجة التي بينه وبين الحكومة في بغداد إلا ان له علاقة كبيرة مع كثير وزراء الحكومة وكان يحل المشاكل العالقة اما باتصال هاتفي او السفر من اجل حلها مع رئيس الوزراء او الوزراء انفسهم .
المدينة الرياضية التي تعتبر اكبر انجاز للرياضة العراقة سعى فيها الشهيد سعيا كبيرا من اجل اقناع الحكومة الاتحادية ووزارة الشباب من اجل بنائها وإقناع دول الخليج العربي من اجل اقامة دورة الخليجي الكروية في البصرة من خلال هذا المشروع الكبير .. فبعد عدة مفاوضات لإقناع اتحاد الكرة الخليجي وسفره من دولة عمان الى الامارات وقطر والكويت كل ذلك من اجل خدمة الكرة العراقية ... حيث تحقق هذا الحلم عند وضع الحجر الاساس للمدينة الرياضية ومازال العم مستمرا بها ...
كل هذه الانجازات والمساعي الدبلوماسية جعلت المناوئين للشهيد محمد مصبح الوائلي ولحزب الفضيلة الاسلامي تخشى النجاح المستمر لذا عملت بكل ما أوتيت من اجل النيل منه سياسيا واجتماعيا.
فقد تعرض الشهيد الوائلي لاعتى حملة في التسقيط لسمعته الوطنية والمهنية من قبيل قيادته لعصابة سرقة النفط والفساد المالي والإداري .. حيث تم أحالة ملفه إلى المحكمة الاتحادية والى البرلمان العراقي .. إلا ان المحكمة الاتحادية حكمت لصالحه وانقلب السحر على الساحر وألزم قرار المحكمة الاتحادية في بغداد بدفع غرامة مالية ضد المشتكي لعدم وجود اي دليل ضد محافظ البصرة الأسبق محمد مصبح الوائلي .. كما سلمت لجنة النزاهة النيابية بعدم وجود اي دليل خرق مالي او اداري في عمل المحافظ انذاك .. بعدها علمت تلك الجهات على عزله من منصبه كمحافظ للبصرة الا ان المحكمة الاتحادية مرة اخرى اثبتت نزاهتها وحكمت لصالحه بعدم العزل .
رغم كل ذلك الاستهداف المادي والمعنوي الذي تعرض له ... لكنه بقى بوطنيته يعيش داخل وطنه ولم يهرب خارج اسوار الوطن لأنه كان عل ثقة تامة بالله وبنفسه على ان اتم التكليف الشرعي والواجب الوطني في خدمة مدينته البصرة ... فبعد ان بدء دورة انتخابية جديدة لمجلس محافظة البصرة قام الشهيد محمد مصبح بحفل تسلم كبير قل نظيره من بين المحافظين في العراق حيث سلم ادارة المحافظة بشكل شفاف وديمقراطي وهو يبتسم لمن يأتي من بعده من اجل العمل على خدمة هذه المدينة الغالية ... رغم ذلك بقى مواكبا لخلفه في ادارة المحافظة لا يخل عن الاخرين في الحكومة المحلية بخبرته وكفاءته التي اكتسبها في ادارة شؤون المحافظة .. مع بقاء تطلعاته نحو افكار ومشاريع اكبر لتطوير المحافظة يقولها هنا وهناك ..
رغم عادة الشهيد منذ ان ترك منصبه كمحافظ لمدينة البصرة في عدم مرافقة حماية شخصية له لثقته بالوضع الامني في المدينة وبعدم وجود اعداء خفيين له بعد كل تلك الصراعات السياسية التي ذهبت مع تركه لمنصب المحافظ .. الا ان خفافيش الليل استغلت هذا الوضع ... فخلال تجواله المعتاد لوحده في وسط المدينة وفي ساعة غير متأخرة من الليل في حي العباسية اعترضته سيارة بيضاء اللون فامطرمته بوابل من الرصاص من اسلحة رشاشة خفيفة فذهب الى ربه شهيدا لتكون تلك الطلقات خير تبرئة له من كل من حاول التشهير به والانتقاص من وطنيته . وبقت ليلة اغتياله تحمل الكثير من الغموض والأسرار لم تكشف بعد.