كانت جلسة صاخبة ومدوية، كانت قنبلة صغيرة رماها وزير الدفاع العراقي في قاعة مجلس النواب. فهل في كل ما طرحه من شيء جديد غير اعتراف وزير بما حصل في وزارته، في حين أن هناك العشرات من الوظزارات السابقة واللاحقة والراهنة لم يكشف عن جزء ولو صغير مما فيها من فساد، كما حصل مع وزير الدفاع العراقي.
أذاً دعونا نلقي نظرة فاحصة ومدققة على جلسة استجواب وزير الدفاع في مجلس النواب العراقي. كانت النائبة عالية نصيف هي التي طالبت بمثل هذه الجلسة الاستجوابية، لأنها كانت تريد طرح لائحة من الاتهامات الموجهة لوزير الدفاع واتهامه بتعيين بعثيين طيارين وضباط. وفوجئ الحضور بالاتهامات التي ساقها وزير الدفاع ضد رئيس مجلس النواب وبعض النواب والتجار العراقيين الذين لم يذكر أسماؤهم علناً في الجلسة المنقولة عبر شاشة التلفزيون (العراقية).
في ضوء هذه الجلسة العلنية، وبقدر ما هو منقول للشعب، وفي فترة متأخرة من الليل، يمكننا تسجيل بعض الملاحظات المهمة:
الملاحظة الأولى: لم يحضر وزير الدفاع بإرادته الحرة ورغبته الصادقة إلى مجلس النواب ليعرض على النواب ما لديه من اتهامات ضد رئيس المجلس أو النواب، بل جلب جلباً، رغم رغبته بتأجيلها. كما إن وزير الدفاع لم يبلَّغ بهذه الاتهامات والتدخلات بشؤون وزارته رئيس مجلس الوزراء في حينها. ولم يقم بإبلاغ القضاء العراقي بكل تلك المخالفات القانونية، بل تستر عليها، إلى حين وجهت له اتهامات مباشرة وأجبر على حضور الجلسة، وإلا لما عرض هذه الاتهامات، كما فعل ويفعل الآخرون!
والملاحظة الثانية إن وزير الدفاع اقتصر في اتهاماته بالفساد على رئيس مجلس النواب وبعض النواب والتجار، أي ركز على قضايا "خردة" عموماً، بالمفهوم الشعبي، أو الحيتان الصغيرة، رغم أهمية القضايا التي طرحها وحجم الرشاوى التي تضمنتها المشاريع المشار إليها والوساطات غير القانونية، ولكنه سكت بالمطلق عن الحيتان الكبيرة التي التهمت ميزانية وزارة الدفاع على امتداد السنوات الـ 11 المنصرمة، والتي كان عليه أن يبرَّزها لا أن يقتصر على قضايا محددة مرتبطة بموقف رئيس المجلس الذي وافق على إجراء الاستجواب وبعض النواب المعروفين للشعب وكذلك بعض التجار.
والملاحظة الثالثة والمهمة إن وزير الدفاع اقتصر في اتهاماته على تكرار القسم بـ "الله العظيم" عشرات المرات، دون أن يقدم الوثائق الدامغة التي تسهم في إقناع مستمعيه بصواب ما أورده من اتهامات. وبالمقابل فهم سيقسمون ب، "الله العظيم" عشرات المرات لينكروا ما جاء به وزير الدفاع.
والملاحظة الرابعة هي أن الشعب العراقي، ورغم سكوت الغالبية من الناس على ما جرى ويجري من نهب وسلب لإيرادات الدولة في العقود النفطية والاتفاقات التجارية والكهرباء ...الخ، كان يعرف حجم الفساد الهائل الموجود في الدولة العراقية والذي أدى إلى ضياع مئات المليارات من الدولارات الأمريكية وضياع سنوات من التنمية الضرورية، وقاد إلى موت مئات الآلاف من العراقيين من أجل تسهيل النهب والسلب، فالفساد والإرهاب وجهان لعملة واحدة. كما يعرف الشعب العراقي بأغلبيته العاقلة والواعية أن الحكومة لا تجرأ على محاسبة هؤلاء الفاسدين والمفسدين الذين يحتلون مواقع قيادية في الأحزاب الإسلامية والقومية السياسية العراقية الحاكمة دون استثناء، والوزراء الذين مثلوا تلك الأحزاب، وفي جميع الوزارات دون استثناء أيضاً. ولم تقتصر معرفته بذلك، بل يعرف تماماً أن الدولة بسلطاتها الثلاث، التنفيذية والتشريعية والقضاء، وكذلك البنوك الخاصة والكومبرادور التجاري والعقاري، فاسدة ومفسدة في آن واحد. لقد شمل الفساد العراق كله دون استثناء، تماماً كما يقول المثل الشعبي، "تلازمت من الباب للمحراب".
لقد وجد القضاء العراقي نفسه أمام إلزامية إقامة الدعاوى على من ورد اسمه في الاستعراض السطحي السريع لوزير الدفاع وبسبب منعهم المؤقت من السفر الصادر عن رئيس الوزراء، ولكن هذا القضاء بالذات لم يجرأ على رفع دعاوى على حكام العراق الذين فرطوا بالموصل وصلاح الدين والأنبار وسبايكر، وتسببوا في الإبادة الجماعية للإيزيديين والمسيحيين والشبك والتركمان، وكذلك في سبي واغتصاب أخواتنا الإيزيديات والأطفال وبيعهم في سوق النخاسة "الإسلامي"، وكذلك من مارس الحكم لسنوات وحصلت في عهده الفساد الشامل وضاعت، كما يؤكد ذلك أكثر من تقرير رسمي مقدم إلى القضء العراقي ومجلس النواب، ضياع ما يزيد على 360 مليار دولار أمريكي، وأكثر من ذلك على حد تعبير الدكتور أحمد الجلبي، الذي توفي بعد أيام فقط، من نشر المقابلة الصحفية معه وكشف عن أرقام الفساد بالعراق، ولديه قائمة بالفاسدين.
نشر المقال العمود في جريدة العالم العراقية يوم الأحد المصادف 7/8/2016
مقالات اخرى للكاتب