يقول الروائي العربي الكبير عبدالرحمن منيف، إن كل المدن الساحلية هي مدن "الثورة والحب"، وتأكيدا يمكن القول إن البصرة، المدينة الساحلية الواقعة على ضفاف "شط العرب"، هي المثال الحيّ لفرضيته الأدبية هذه، فعبر كل تاريخها وحتى قبل أن يؤسسها القائد الإسلامي عتبة بن غزوان في زمن الخليفة الثاني عمر بن الخطاب، أيام الفتوحات الإسلامية، كانت الغزوات تبدأ منها مثلما تبدأ منها كل قصص الحب والسندباد وحكايات ألف ليلة وليلة.
وهذه المرة تبادر البصرة وتبتكر للعراق ما لم يكن موجودا فيه، فيحوّل شبابها جسرا مهملا وقديما إلى "جسر للحب"، على غرار ما هو موجود في بعض دول العالم المتحضرة والتي تحترم الإنسان، مثل باريس وروما وبرلين، من أجل إشاعة ثقافة الحب والتسامح ونبذ العنف والأحقاد.
الجسر الذي وقع عليه الاختيار لم يكن يحمل اسما منذ تشييده منذ عشرات السنين، ويقع على "نهر الخورة" المتفرّع من "شط العرب" الشهير، وها هو اليوم يبدو بحلة جديدة بعد أن قام شباب بصريون يحبّون الحياة ويراهنون عليها بطلاء بدنه الصدئ "على نفقتهم الخاصة"، وتثبيت مشبّكات حديدية يمكن أن تعلّق عليها الأقفال بسهولة، كما اشتروا من مالهم الخاص أكثر من 300 قفل لتوزيعها على العشاق والمحبين مجانا.
ولم تكن مفاجأة لهم حين هبّ لمساندتهم في ذلك عشرات البصريين بعشرات الأقفال، وكل ذلك من أجل أن يكون في البصرة وللبصرة "جسر للحب" بعد أن قطّع الإرهاب جسور القلوب بين أبناء الوطن الواحد.
وفكرة "جسور الحب" باتت بعض الشعوب تتسابق في ادعاء ريادتها، فالإيطاليون يقولون إنها تعود إلى رواية عاطفية بعنوان "أرغب فيك" لفيديريكو موتشيا الإيطالي، حيث يعلق فيها البطل والبطلة قفلاً مع اسميهما على مصباح جسر ميلفيو قرب روما، ويتبادلان قبلة ويرميان المفتاح في مياه النهر.
لكن روسياً قال إن الظاهرة تعود إلى منتصف العقد المنصرم في روسيا، ولم تلفت الانتباه إلا بعدما بدأ انتشارها فيما بعد عام 2010، في حين يؤكد الفرنسيون أن ظاهرة "أقفال الحب" ولدت على جسر الفنون في باريس عام 2008، فعندما يقع اثنان في الغرام يقومان بإغلاق قفل ذهبي اللون على سور أحد الجسور ويرميان المفتاح في النهر، أملاً في الاحتفاظ بعلاقتهما للأبد، تماما مثلما ستفعل البصرة في "ريادة" جسورها المناصرة للحب والجمال.
مقالات اخرى للكاتب