تغيرات كبرى في الأمة الجديدة التي كانت في طور التشكل، هي تلك التي جرت وبشكل متسارع، بعيد إستشهاد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، فقد بدأ عصر جديد من السلطة التي كان الدين عربتها..
وتتذكرون ـ مثلما يقول التأريخ ـ أن الخوارج كانوا من ضمن جيش علي عليه السلام، وكانوا مستعدين أن يبقوا تحت رايته إذا تبعهم!..وذاك كان شيئا جديدا في أساليب تداول السلطة، لأمة لم تكن تتعرف بعد الى معنى السلطة، سيما في أجواء لم تألف بعد، ما نألفه اليوم من أفكار وسبل في السياسة، لكن الخوارج جاءوا بشيء جديد، هو أن يتبع الحاكم الرعية، يسير خلفها كيفما تريد!
الخوارج أرادوا من علي عليه السلام أن يتوب! بمعنى أن يقر بأنه أذنب وأخطأ في أسلوب أدارة الدولة، ورفعوا السيف بوجه علي عليه السلام، من أجل تحقيق مطلبهم هذا، وجرى الذي تعرفون في صِفِينَ وما بعدها، ومن يومها أنقسمت الأمة الى صَفَينْ..!
حينها قال واحد من الخوارج: رُبَّ دهر بكيت منه، فلما صرت في غيره بكيت عليه!!
بعد هذا الشرخ الكبير؛ وجد السبط الحسين عليه السلام، وهو الوارث الطبيعي والشرعي لقضية الإسلام، والمنصوص عليه إلهيا ونبويا؛ أن لا مناص أمامه إلا أن يثور؛ لتغيير الإنحراف الكبير الذي كان يقوده البيت الأموي، والذي بدأ يسري كالسم في جسد الأمة الجديدة..
الأمويون ومن معهم، لم يكونوا من منغوليا أو من الدنمارك، ولا حتى من جمهورية جنوب السودان، بل كانوا مسلمين يرتدون نفس رداء رهط الحسين عليه السلام، جبة وعمامة، وكانت لديهم مساجد ومآذن، وكانوا مثل حكام اليوم يصلون ويصومون، وحاكمهم كان يلقب بأمير المؤمنين، بمعنى أن على الأمة أن تطع الحاكم الأموي، بسلطاته الزمنية والروحية، الدنيوية والدينية، وكان يتعين على المسلمين الصلاة خلفه إماما، حتى ولو كان سكرانا، كما فعلها يزيد غير مرة..
الحقيقة أن يزيدا كان يفعل ما يفعله المسلمين آنذاك، كان يحج، ويؤم الناس بالصلاة، ولكنه كان يفطر على خمر، ويزني أيضا!. فهل في ذلك ضير؟! فسكره على نفسه، وزناه يرتد عليه شخصيا، فما بال الآخرين يحسدونه على نعمة الفحولة؟! ثم أن ما لقيصر لقيصر وما لله لله! ويزيد أمير مؤمنين شرعي بشرعة التغلب بالسيف، بر أم فجر، وطاعته واجبة على البشر والحجر..!
والحقيقة أيضا، أن الحاكم الأموي سرق دولة الإسلام، التي أنشأها جد الحسين عليه السلام، ودافع عنها أبوه بذي الفقار، وكانت السرقة بعنوان إسلامي أيضا..!
الحسين عليه السلام لم يخرج ثائرا أشرا ولا بطرا، بل خرج على الأشر البطر، ليعيده هو ومن أنحرف معه الى جادة الصواب..
مشكلة التاريخ أو فضيلته! أنه يقدم لنا في كل مرة المثال تلو المثال، عسى أن نصحح المسارات الخاطئة؛ لكن البشر ـ ولخيبتهم ـ يتعاملون مع التاريخ كقصة ورواية للتسلية!
مشهد عام 61 للهجرة تكرر كثرا على مر التاريخ، لكننا كنا نقرأ التكرار ليس في صالح حاضرنا، أو لناء مستقبلنا، بل كنا نقرأه دوما بذائقة الرواية..
الذين سرقوا منطلقات دولة جد الحسين عليهما أفضل الصلاة وأتم التسليم، حكموا تحت عنوان تلك المنطلقات..
حكام اليوم يكررون التأريخ وحكايته، ويسرقون ذات المنطلقات، ليتحول الشيعة الى أرجل لكرسي الحاكم، ويضحي التشيع الى مخدة يتكيء عليها!
كلام قبل السلام: قد نحسد الخفافيش على الطيران..لكنا نشفق عليها لأنها عمياء..!
سلام..
مقالات اخرى للكاتب