ها هو العراق يمر بسنة صعبة أخرى بعد سنتين عجاف ، بسبب التراجع الحاد في الإيرادات النفطية ، وبسبب الفشل الكامل لعملية التنمية خلال فترة الوفرة المالية في الأعوام الأربعة التي سبقتها .
احتوت موازنة 2017 بلا شك جوانب ايجابية ، منها السماح بالإجازة طويلة الأمد وبالراتب الاسمي للموظفين ، وهذا سوف يعطي الفرصة للموظفين لمحاولة بناء مشاريع خاصة بهم ، أو البحث عن عقود عمل في بلدان أخرى ، كما انه سيخفف من الترهل الإداري الموجود في العديد من مؤسسات الدولة ، ولكن لا ننسى أن الأكثر سعيا للاستفادة من هذه الفرصة سيكون العنصر الأكفأ في مؤسسات الدولة ، وستقع الدولة أمام موازنة صعبة في كيفية تطبق القانون ، مع المحافظة على عناصرها الكفوءة .
من جانب آخر تتوجه الموازنة إلى مزيد استقطاع من موظفي الدولة ، وكأنما تعاقبهم دون غيرهم ، وسيشعر الموظف بظلم شديد يصيبه إذ عليه أن يدفع ثمن أخطاء آخرين في مواقع تنفيذية أعلى وقد يدفعه هذا إلى سلوك سلبي.
ونحن اليوم أمام تساؤلين مهمين :
الأول : لماذا لم تقدم الدولة كشف حساب كامل لما حصل ، وتبذل سعيا حقيقيا لاسترداد أموالها ممن تطاول عليها ؟ .
والثاني : لماذا لا توزع الدولة عبء التقشف على المواطنين كافة ؟
لقد طرح عدد من الاقتصاديين العراقيين فكرة تخفيض سعر الدينار ولو تحقق ذلك لجرى تعميم العبء على الجميع بشك متساوي ولارتفعت أسعار المستوردات ، مما يعني تخفيض الإنفاق عليه وسيحسن ولو بشكل محدود الحالة التنافسية للمنتج العراقي ، نعم ستكون هناك هزة وضعف ثقة بالدينار ولكن ليس هذا هو المهم ، بل المهم أن تكون النتائج على المدى البعيد مجدية .
لقد سبق للأردن في عام ١٩٨٦ أن خفض سعر الدينار ٥٠٪ ، وتعرض البلد إلى أزمة ولكنه تجاوزها ، وتركيا ذات الاقتصاد المتطور تشهد وبشكل متواصل انخفاضا في عملتها وهي الآن ثلث ما كانت عليه قبل ١٥ سنة ولكنها توظف ذلك في مزيد من القدرة التنافسية لمنتجاتها الوطنية .
لقد طالبنا مرارا بسياسة حازمة في تشجيع المنتج العراقي حتى لو كانت أسعاره غير تنافسية ، أو مستوى الجودة اقل ، وذلك من اجل إيجاد وظائف جديدة لقطاع واسع من العاطلين عن العمل ، ولقد أفرزت تجربة الحصار نمواً في التصنيع المحلي وهي تجربة انهارت بالكامل بسبب سياسات بريمر الاقتصادية والتي فرح بها العراقيون بادئ الأمر ولكنها ساهمت في القضاء التام على الإنتاج الوطني .
أنا أدعو إلى مراجعة شاملة للخطط الاقتصادية آخذاً بعين الاعتبار إننا في أزمة لن تنتهي قريبا وستستمر لسنوات ، وديون العراق تتزايد ، وحتى لو افترضنا إن أسعار النفط ومعدلات إنتاجه ستزداد ، فان الديون التي ترتبت على العراق ستستهلك كل هذه الزيادات .
أفضل التوقعات تشير إلى إن أسعار النفط يمكن لها أن ترتفع إلى ٦٠ دولار للبرميل وهذا لا ينفع العراق كثيرا ، وان زيادة إنتاج العراق من النفط ستلاقي معارضة من أوبك من ناحية ، وستحتاج إلى استثمارات ضخمة ستستهلك غالب الإيرادات التي ستتحقق من زيادة الإنتاج من ناحية أخرى .
إن تعويل الدولة على الاستثمار الأجنبي باءت بالفشل لان رأس المال جبان ، وهو يبحث عن الاستقرار والأمن والنزاهة وكلها غير متوفرة ، بل إن رؤوس الأموال العراقية تهرب باستمرار خارج العراق .
الطريق الوحيد الذي أمامنا يتمثل في خطة اقتصادية تستهدف زيادة الإنتاج المحلي غير النفطي بما لا يقل عن ٥-١٠ ٪ سنويا ، فهل ستكون الدولة قادرة على ذلك ؟ وهل سيكون بإمكان مجلس النواب إلزامها بمثل هذه الخطة ؟
مقالات اخرى للكاتب