إذا تبصرنا في عصابات التسول تلك التجمعات التي تعمل بجد ونشاط يفوق نشاط أي منظمة من منظمات حقوق الطفل أو أي برنامج من برامج الدولة ،ولانرى منها ظاهرا ً سوى عشرات الأطفال التي عوقت او صنع لها عاهات تجعلها مؤهلة لأحتراف هذا العمل وهي ممدة في الشوارع لأستدرار العطف وكسب النقود التي تذهب الى جيوب هذه العصابات ! فهي ظاهرة في العلن لا احد ينادي بالقضاء عليها او معالجتها على الرغم من خطورتها على مستقبل وحياة هؤلاء الأطفال والصبية .
وعلى الرغم من انها سن الدراسة المفترض الا ّ ان قانون العمل يجيز عمل الأحداث في سن الخامسة عشرة ،ونشاهد اليوم فتية اصغر عمرا ً من ذلك بكثير يتوزعون في الشوارع بين زحام السيارات يبحثون عن لقمة العيش لعوائل اختلفت الظروف التي اجبرتها على زج فلذات اكبادها في هذه المهمة الصعبة .
ولايمكن ان نلقي باللوم الأكبر على العائلة في جميع الحالات ،ولكن يلام المجتمع الذي تغيب فيه العدالة وتكافؤ الفرص وتوفير الحياة الكريمة لأفراده ،والحكومات التي تغيب فيها برامج النهوض بالواقع الأقتصادي وغياب برامج الأعانة ومعالجة البطالة ،والأنسانية التي يتوحش الفكر فيها وتموت المبادئ وتتحول الى تصارع ومصالح وتغذية للحروب، ان العائلة التي فيها رب الأسرة مفقود أو عاطلا ً عن العمل مما لاشك فيه تحمل بذور تمزقها وسط قسوة الحياة وتكون تلك العائلة اشبه بسفينة غير محصنة وسط ريح عاتيه ،وتكون حياة الأبناء متميزة بالفشل والضياع ،وسيكونون مؤهلين للأنجراف نحو الممارسات الخاطئة والأنحراف والشذوذ و سيخسر المجتمع هذا الجيل الواعد الذي تقوم الأمم المتقدمة المتمكنة برعايته منذ الصغر واكتشاف مواهبه وسبر اغواره ، لوضعه في الطريق والأختصاص اللا ئق الذي يجيد الأبداع فيه ، حيث ان اكبر طاقات واعدة هي طاقات الشباب التي هي امل كل امة ،وعندما نقرا سير اغلب المتفوقين اليوم في مختلف مجالات الحياة ،نجد ان هناك ايد امينة وقلوب حانية قد امدتهم بالرعاية في السنوات المبكرة من الحياة ،وهذه سنة الحياة ،ومن هنا فاننا برمي الأحداث في صخب الحياة نجني عليهم بقطع طريق الحياة عليهم ونخسرهم ،ونولد مشاكل جديدة تجعل من هؤلاء وبالا ً على المجتمع ذاته الذي يأخذ بالأنفاق ووضع الدراسات المختلفة لمعالجة نفوقهم وتحولهم الى فئات تهديمية ، كأمتهان الجريمة مثلا ً وكان الأولى ان تكون الوقاية خير من العلاج ،فقد كان الأصح معالجة الأسباب التي ادت بهؤلاء الى الأنحراف ووضع الحلول الناجعة لها .
نزاهة القيادة :
ان الفساد اذا ساد راس الهرم فقد انتشر على جميع الجسد واصبح من الصعب علاج علله ، ولهذا فمن المهم ان تكون السلطة التي تقود البلاد من النزاهة والحكمة و القوة بمقدار كبير لكي تكون قادرة على ادارة البلاد وتوزيع ثرواتها بعدل وانصاف ووفق ضوابط يعرفها المجتمع ويرضاها ،تؤدي بالنهاية الى توفير الحياة الكريمة لكل فرد من افراده ،ونجد هنا
امثلة كثيرة على مجتمعات ابتعدت عن الحروب والمغامرات ،وسلمت قيادها الى من هم خيرة ابناءها من الصفوة التي تختارهم بطرق حضارية لا غوغائية ، فأننا نجد ان هذه البلاد ينتشر فيها الأمن وتتوفر فيها الحرية و الحياة الكريمة لكل مواطن وتظهر في سماءها نجوم متألقة من العلماء والمفكرين والمتفوقين في كل مجال من مجالات الحياة ونجد فيها البطالة في اقل نسبها ان لم تكن معدومة وينعدم الفقر وتتناقص فيها معدلات الجريمة والحوادث السلبية الأخرى ،ويحصل العكس للبلاد التي يتطاول للقيادة فيها من هب ودب فانها بالنتيجة النهائية ستكون موضع تجارب لأشخاص مغامرين من النادر ان يظهر فيهم القائد المتمكن الذي يستطيع كشف علل المجتمع ووضع الحلول لمعالجتها .
العراق .. طفولة و حقائق رهيبة :
أغلب هؤلاء الأطفال (اولاد وبنات ) اتخذوا من الشوارع مساكن لهم أحوالهم متعبة ، وبقايا الطعام قوتا ً لهم ، تروي قصصهم قضايا اجتماعية واقتصادية وامنية خطيرة وقصصهم ظهرت بشكل لافت بعد الحرب الأمريكية على العراق واحتلال العراق الذي ولد حروب داخلية واعمال عنف، خلف عددا كبيرا من الأيتام والأرامل اضطرتهم الظروف وفقدان معيلهم الى ترك الدراسة والنزول الى الشوارع،و لم تتخذ السلطات المسؤولة ولا منظمات المجتمع المدني أي اجراءات مناسبة لأنتشالهم .
تقرير لمنظمة اليونسيف :
يذكر تقرير لليونسيف إن معظم هؤلاء الفتية يحملون السكاكين والألات الحادة ،وهم من مدمني الخمور والسكائر و المخدرات وخصوصا ً المصنعة محليا ً كالثنر والسيكوتين والبنزين وانواع الحبوب المخدرة المختلفة التي تباع في الأسواق الشعبية ،التقرير الأممي اشار الى ان الكثير منهم قد تعرض الى اعتداءات جنسية الى جانب المخاطر الصحية بما في ذلك الأصابة بالأمراض التناسلية والأيدز وامراض نفسية اخرى وحالات الحمل الغير شرعية ،فيما يباع بعضهم في سوق النخاسة ، وقتل بعضهم وانتزعت أعضاءه وخاصة الكليتين ،وان الحرب الأخيرة نقلت الصراع الى داخل المدن والبيوت والأسواق فنالت ما نالت صورها البشعة من مخيلة الأطفال البريئة .
وقد قدر تقرير لمنظمة اليونسيف عددالأطفال الذين يعملون في الشوارع ب ( 800 ) الف ، وان اكثر من مليون طفل يعيشون تحت خط الفقر .
وقد تحدث صندوق الأمم المتحدة للطفولة ( اليونسيف ) عن حرمان أكثر من خمسة ملايين طفل عراقي من حقوقهم الأساسية وذلك بعد الأحتلال الأمريكي عام 2003 ،كما حذرت منظمة أطفال الحرب البريطانية من ان العراق قد تحول الى أحد أسوء الأماكن للأطفال في المنطقة ،وألقت المنظمة باللائمة على الدول التي اشتركت في غزو العراق وعلى رأسها امريكا وبريطانيا ، وأنها قد تخلت عن اطفال العراق وخفضت من المساعدات له رغم تزايد العنف فيه .
صورة من حياتهم :
هناك الأطفال الذين يعملون برضى اهاليهم ، وهم يعودون بعد العمل الى بيوتهم غير انهم عرضة الى التأثر بفوضى وأخلاق الشارع والتي لاتناسب اعمارهم فيسقطون في فخاخ الأنحراف والجريمة .
وهناك الأطفال الذين انقطعت علاقتهم بأي رابط اسري ، فهم مرتبطون كليا ً بالشارع ويتخذون من الشارع أو الفنادق او المناطق المهجورة ومناطق الطمر الصحي سكنا ً لهم وهم أخطر من الفئة الأولى حيث ينغمسون كليا ً في ممارسات خطرة عليهم وعلى المجتمع ككل .
اسباب انتشار الظاهرة في العراق :
ان السبب الرئيس يعزى الى الحروب التي خاضها النظام السابق والتي ادت الى تيتم آلاف الأطفال من جهة الأب ،ثم تلى ذلك الحصار الجائر الذي فرض على شعب العراق لأكثر من اثني عشر سنة والذي انخفض فيه المستوى المعاشي للفرد العراقي الى ادنى مستوياته مما اضطر العائلة للعمل بكل افرادها لكسب العيش ،بضمنهم الأطفال ، ثم حروب آل بوش التي شنها الأمريكان على العراق وكانت احداث 2003 هي الأخطر حيث احتل العراق وسمح لصراعات داخلية خطيرة ان تجري داخله ومن ثم ظهور حلقات الأرهاب الذي نقل الحرب الى الشوارع والأسواق والبيوت ، وولد حالات خطيرة من فقدان المعيل أحوجت لنزول الأطفال بكثافة الى الشارع، حيث تشير الأحصائيات الى ان 60 % من الأطفال الأيتام يعملون كمعيلين لعوائلهم ،وهي ظاهرة تدل على عدم تحسن الدخل للفرد العراقي واستمرار العوز والفقر رغم الميزانيات الأنفجارية التي كانت ترصد سنويا ً بسبب شيوع الفساد الأداري والسياسي .
هل يمكن العلاج :
ان الظاهرة في العراق هي ظاهرة غير طبيعية صنعتها الظروف القاهرة التي مر بها البلد ، ولهذا لايمكن ان نقول ان وزارة العمل والشؤون الأجتماعية بأمكانياتها البسيطة قادرة على معالجة هذه الظاهرة والتي تستدعي معالجة سريعة وجدية بسبب ما تحمله من مخاطر ليس فقط على مستقبل هؤلاء الأطفال بل على مستقبل البلد برمته و برأينا ان يتم :
- دراسة الظاهرة من قبل متخصصين وباحثين يكلفون من الدولة وعلى عموم الدولة العراقية لكشف مسبباتها .
- وضع الأحصائيات الدقيقة عن هذه العمالة والأماكن التي تنتشر فيها .
- الطرق المثلى للمعالجة كتوفير العمل المستقر والكريم وتوفير السكن .
- الطرق المثلى للوقاية ، وهي منع عمالة الأطفال ووجوب استمرارهم بدراستهم ، ووجوب القضاء على المسببات الرئيسية التي تجبر الطفل على النزول للعمل .
ان الأهتمام والمتابعة الجدية من الدولة مطلوبة بألحاح ، لما تشكله هذه الظاهرة من خطر اجتماعي واقتصادي وامني . صحيح ان هناك من ينادي بمعالجة البطالة والفقر ،وتوجد هيئات ومنظمات دولية لحماية الطفولة والدفاع عن حقوقها ،ولكن الواقع مؤلم ومرير فالاف الأطفال والصبية من كلا الجنسين يباشرون كل صباح اعمال من المفترض ان يقوم بها الكبار وان هناك الالاف منهم من يقع ضحية جماعات وعصابات لا هم لها سوى الربح المادي ،تستخدمهم كسلعة رخيصة ثم ترمي بهم في الشارع عند انتهاء حاجاتها ، وهذا يحصل بوجود الحكومات واجهزتها الأمنية والمنظمات المختلفة ، ان مشكلة عمالة الأطفال والأحداث ونفوقهم في الشوارع مشكلة كبيرة بحجم مشكلة القيادة والفساد الذي يستشري في البلاد وحلولها تتم بمعالجة مشاكل البلاد الرئيسية ونوع الكفاءات التي تتولى القيادة فيها
مقالات اخرى للكاتب