سوادي مثال للشاب العراقي المثقف الذي يعيش البطالة بأبشع صورها ..لا بيت ..لا سيارة ..لا زوجة ..لا أطفال ..لا وظيفة ..لا راتب شهري ..برغم انه يحمل شهادة البكالوريوس -الحقيقية وليست المزورة- في الفلسفة من جامعة بغداد، لذا قرر- سوادي – الانتحار على خطى بوعزيزي لعل انتحاره يكون بمثابة حجر يحرك مياه البركة العراقية الراكدة الى حد العفن ولسان حاله يردد(على صوت الطبل خفن يارجليه)…
عكف المجني عليه على قراءة الكتب ذات العلاقة وبدأ بكتاب (الانتحار الخطأ الذي لا يغتفر) لكولين ديلن، ففوجئ بان الأميين ينتحرون وقت الظهيرة فيما ينتحر المثقفون ليلا !!
ثنى بكتاب (المنتحرون) لجان بيشلر فصعق بعدد المشاهير الذين انهوا حياتهم انتحارا بالسم أو الرصاص تارة ،بالحرق وسيف الساموراي تارة أخرى، لعل من أشهرهم كيلو باترا وسقراط وهتلر وارنست هيمنغواي والمشير عامر وخليل حاوي ومارلين مونرو وسعاد حسني وغيرهم كثير وان كانت مونرو وحسني قد اغتيلتا وهو المرجح لأمنلاكهن اسرارا عن حكومة واشنطن والقاهرة تطيح برؤوس تتبعها رؤوس !! ثلث سوادي بكتاب (الميتات العنيفة) لجان كلود وربّع بكتاب (المشهد الأخير)لديك همفري واطلع على اقصر الطرق واسرعها للانتحار ..وبعد ان اشبع نهمه قرر (سوادي) الانتحار بإطلاق الرصاص على رأسه المثقل بالهموم، وبالفعل ضغط الزناد -طرااااخ- فلم تنطلق الرصاصة لأن المسدس الروسي – الكلك – الذي استخدمه كان عبارة عن مجرد حديد خردة تعاقد العراق في وقت ما على شراء اشباهه ونظائره من روسيا وجمهورية التشيك وصربيا واوكرانيا!!
عقد العزم على الانتحار شنقا حتى الموت هذه المرة ولكن الحبل الصيني الذي اشتراه من سوق الشورجة انقطع لأنه – اكسبا ير -!!.. قرر الانتحار حرقا.. ذهب الى المحطة ..اشترى 15 لترا من البنزين ..سكبها على جسده ..اشعل عود الثقاب.. فلم يشتعل لأن البنزين العراقي الملوث برابع أثيل الرصاص ممزوج بالماء من الأبي !!فكر بالانتحار غازيا ،اشترى قنينة بـ17الف دينار ..أغلق النوافذ والابواب ..حشر انفه الكبير في رأس القنينة إلا انه لم يشعر بشئ لأن القنينة فارغة من المحطة الرئيسة !! اشترى سم الفئران وإبتلع اكبر كمية ممكنة من السم الزعاف لكنه لم يصب بأذى لأنه نافد الصلاحية !!
هنا وبعد ان وقع بصره على كتاب (دع القلق وإبدأ بالحياة) لكارنيجي الذي أنهى حياته انتحارا أيضا ، قرر العدول عن فكرة الانتحار التسلطية لأن الانتحار حرام ..وانطلق من فوره الى مطعم (السعادة)الشعبي القريب ليبدأ حياته بوجبة دسمة من الباقلاء بالدهن الحر فخر صريعا من فوره بعد اللقمة الثانية لأن الطعام الذي إزدرده كان مشبعا بكل انواع الملوثات الطبيعية منها والصناعية و(الفقير فوك البعير وعضة الجلب)..
مات سوادي واصبح بطلا شعبيا وجماهيريا اذ ان العراق وكما هو معلوم بداهة لايحتفي بمبدعيه الا بعد موتهم جوعا او مرضا او قتلهم وتمزيقهم شذرا مذرا ..نصبت له السرادق ونحرت لموته الذبائح وشقت لفقده النسوة الجيوب ولطمت الخالات والعمات عليه الخدود وناحت النوائح -أويلي عليك سوادي من الفقر للوادي – وفي حياته لم يهتم به احد قط انما هو النفاق الاجتماعي ليس إلا ،وصدك لو كال ابو المثل (الحظ لو فان تلعب بيه الصبيان) .أودعناكم اغاتي
مقالات اخرى للكاتب