" ثورة الكرامة والعزّة " أو " ثورة القميص الأبيض " ـ ـ ـ هكذا أطلقوا على إحتجاجاتهم وإعتصاماتهم داخل الحرم الجامعي في جامعة المثنى ـ ـ إنها ثورة بيضاء نقيّة كنقاء مطاليبهم وقلوبهم ـ ـ صدورهم تحمل بين أضلعها حُلم جميل سيتحقق بعزمهم وثباتهم ـ ـ طلاّب وطالبات بعمر الزهور قرروا إعلان ثورتهم ضد الفساد وأدواته من الوزراء وأصحاب السلطة الغاشمة وسرّاق للمال العام ـ ـ أعادونا هؤلاء الشباب الى سنوات الصحوة الجماهيرية التي كانت دائماً تنطلق شرارتها الأولى من إحدى الكليات أو المعاهد العراقية معلنة عن رفضها للظلم ومستنفرة الهِمم لجموع شرائح المجتمع للسير كسيلٍ جارفٍ قاصدين معاقل الطغاة المتمثلة الآن بالمنطقة (الغبراء) سيئة الصيت لدكّها بهدير وقع أقدامهم الثابتة ثبات إيمانهم بوطنهم والزاحفين على رؤوس الفساد وأدواته لكنسها الى مزابل التاريخ وصفحاته السوداء . وكما كان متوقعاً من أصحاب الغيرة الشبابية من الطلبة إذ سرعان ما لبّت نداءاتهم بقية الجامعات في المحافظات العراقية الأخرى مرسلة عبر الأثير صدى أصوات المنتفضين في ساحاتها مرددة موطني ـ ـ موطني ، وما أعذب أصواتهم وهي تنشد ملبية نداء الوطن . لقد توحد الطلاب بمراحلهم المختلفة تحت راية حب الوطن ، حتى شملت المدارس الثانوية التي لبّت ندائهم الوطني وحيثُ سجلت سابقة فريدة ومفرحة في هذا الزمن بمشاركة الطالبات للمدارس الثانوية في الديوانية حفيدات الثائرات العراقيات في الإنتفاضات الجماهيرية لأواسط القرن الماضي .لم تكن ثورة الطلبة هذه نابعة من بَطرٍ أو فراغ وقت ـ ـ ولا لإثبات الوجود كشريحة مهمة في المجتمع يعقد الوطن والمواطن عليها الآمال في بناء المستقبل ، ولا حيثُ أراد فيها المتظاهرون تبديد ساعات دراستهم الثمينة بفعالياتهم اللاصفيّة الثورية !! ، وإنما جاءت نتيجة تراكمات عديدة بدءاً بالمستوى التعليمي الرديء الذي يعيشه طلاّب العلم بدقائقه ـ ـ فمستوى معظم الكادر التدريسي بجميع مراحله في تدني خطير وحيثُ صُنِّفَ المستوى العلمي للجامعات والمعاهد العراقية في خانة التصنيفات للمؤسسات التربوية الدولية قبل الأخيرة في التسلسل العالمي ، إضافة الى التسيب المنتشر بين الطلبة والأساتذة على حدٍ سواءٍ والذي أصبح خارج نطاق السيطرة ، كما وأنّ التهديدات الميليشوية أصبحت مصدر رعب لمن داخل المدرسة أو الكلية ، إذ أصبح الحرم الجامعي وساحات المدارس المنبر الحر لفعاليات الأحزاب المتصارعة على الكعكة التي لم يعد لها وجود !! ، إضافة الى النقص في الأبنية الدراسية التي فاقت طاقاتها الإستيعابية حدود الحد الأدنى لِما هو متعارف عليه تربوياً والذي أجبر الطلبة على إفتراش الأرض في مدارس طينية تفتقر الى أبسط مقومات الدراسة في بلدان العالم الثالث وليس البلدان المتقدمة ، ومشكلة النقص الشديد في الكتب والمستلزمات الدراسية أصبحت حالة مألوفة ، وأخيراً جاءت الرسوم التي فرضتها الحكومة على التعليم وهي بلا أدنى شك سترهق ميزانية العائلة أكثر بعد أن هزتّها الإستقطاعات الغير منطقية للدخل الشهري لربّ الأسرة ، يضاف اليها الرسوم المفروضة على الصحة وجميع الخدمات الأساسية الأخرى والتي من المستحيل الإيفاء بها لقلّة واردات العائلة في ظل البطالة المنتشرة وحجب الرواتب لأشهرٍ عديدة للفئات والوظائف الخدمية البسيطة . لقد كانت ثورة العشرين في القرن المنصرم الشرارة التي أشعلت نيران الثورة الشاملة للعراقيين من شماله حتى جنوبه ومن شرقه حتى غربه مبتدئة بالرميثة وممتدة كالأخطبوط الى مدن العراق كافة مجبرة المحتل الظالم على تغيير سياسته وإنهاء إنتدابه السيء للعراق ، فسجّل التاريخ تلك الإنتفاضة بأحرفٍ من نور للرميثة والشعب العراقي عامة .وجاءت ثورة "القميص الأبيض" للسنة الحالية 2016م لتعيد أمجاد ثورة العشرين منتفضة ضد نفس الظلم وأدواته لكن بوجوهه الجديدة القاتمة كسواد الليل الذي حتماً سينجلي بهمّة الطلبة وإنتفاضتهم . صرخت حرّة مستنجدة بالمعتصم "وامعتصماه" ، فلبّى ندائها ـ ـ وصرخ العراق مستنجداً طلبته بشبابهم وشاباتهم "وامنقذاه" فهل سيسجّل التاريخ تلبيتهم لنداءه بأحرفٍ من نور ؟.
مقالات اخرى للكاتب