تكاد تكون الثورات البرلمانية شحيحة في التاريخ السياسي القديم أو الحديث ، وذلك منذ أن وجد أول وأقدم برلمان في التاريخ ألا وهو البرلمان العراقي الذي يعود الى سنة 3000 ق.م ، أما أقدم هيئة تشريعية أخذت تسمية (برلمان) هو برلمان (أيسلندا) سنة 930 م . إلا أن أول ثورة برلمانية أرخ لها التاريخ الحديث هي الثورة التي سميت بـ(الثورة المجيدة) التي حدثت سنة 1688 م في بريطانية الذي قادها البرلمانيون الانكليز وتم من خلالها عزل الملك (جيمس الثاني) وأعلان وثيقة الحقوق وأشتراط البرلمان على الملك الجديد عدم القيام بأي عمل يؤدي الى الأنتقاص من حقوق الشعب . أما في تاريخنا المعاصر هي الثورة البرلمانية التي قامت بها الأغلبية البرلمانية في أوكرانيا سنة 2004/2005 برفضها المرسوم الجمهوري الذي أصدره الرئيس(فيكتور بوشيشينكو) لحل البرلمان والذي يتعارض مع أحكام الدستور وسميت هذه الثورة في حينها بـ(الثورة البرتقالية) . أذن التاريخ السياسي سجل هذين الحدثين كعلامة فارقة في تاريخ الحياة البرلمانية .
أما اليوم في العراق ، قد تشكل حركة الأعتصام التي قام بها البرلمان سابقة فريدة من نوعها في برلمانات الدول العربية والاسلامية في تصحيح مسارات العملية السياسية وما آلت اليه من محاصصة طائفية و حزبية وكان نتيجة هذه المحاصصة أستشراء الفساد وغياب مؤسسات الدولة مما أنعكس سلباً على مجمل الاوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية للبلاد ، فهي رد فعل طبيعي بأتجاه الأمام .
نحن نعرف جميعاً ان القوى السياسية في العراق هي المسؤولة مسؤولية مباشرة عن تشظي المواقف السياسية أتجاه أزمات الداخل والتدخلات الخارجية مما جعل العراق مسرحاً لتصارع القوى الاقليمية والدولية ، أضافة الى الفساد الذي نخر أجهزة الدولة التي جيرت لصالح المحاصصة حزبية وجعل هذه المؤسسات واجه لتمويل الاحزاب ورهينة لأرادة الحزب بدون أن تكون هناك أي رقابة برلمانية على حجم الفساد المستشري فيها .
أن العملية الاحتجاجية التي قامت بها مجموعة كبيرة من البرلمانيين بأعلان تحررها من دكتاتورية كتلها وبراءتها من فساد هذه الكتل التي وقفت في وجه أي عملية أصلاحية تذكر ، أن أعتصام كتلة كبيرة في البرلمان وأعلانها عن أقالة الهيئة الرئاسية للبرلمان والدعوة الى تصحيح مسار العملية السياسية وأنهاء المحاصصة الطائفية والحزبية ، سوف يؤدي الى تقويض أركان الطبقة السياسية الحاكمة وتضعها في زاوية ضيقة وتحد من سطوتها على الواقع السياسي العراقي المتأزم . سوف تعمل هذه القوى جاهدة من أختراق هذه الحركة الاحتجاجية ، من خلال النأي بنفسها مما وصلت اليه الاوضاع في العراق . بعد أن احاطت نفسها بكل مقومات ديمومتها وبقائها على رأس هرم السلطة نتيجة المغانم والمكاسب السياسية والمالية مدعومة من قوى خارجية نافذة في الوضع السياسي العراقي وجعلت من نفسها مافيات تمارس كل ألاعيب الترغيب والترهيب في سبيل عدم وصول هذه الكتلة الجديدة الى مبتغاها في عملية الاصلاح ، وتوهيم الشارع العراقي بمخاطر الأنقسام تحت قبة البرلمان وتغييب دور البرلمان في تشريع القوانين التي تصب في خدمة المجتمع كما تزعم وهذا يذكرنا بقول وزير الدعاية النازية في المانيا الهتلرية (جوبلز) عندما قال( إن الحقيقة غالية ولذلك يجب حمايتها بالكثير من الأكاذيب) وهذا ما تفعله اليوم الكتل السياسية النافذة والتي بنت أمبراطورياتها من صفقات الفساد المالي والاداري والسياسي ، ومن خلال التباكي على مستقبل العملية السياسية والمخاطر التي تحيط بها نتيجة أعتصام مجموعة من النواب عندما استشعرت المخاطر التي تهدد وحدة العراق ومستقبله ودوره في المنطقة .
أن هذه الحركة الاحتجاجية البرلمانية أذا كتب لها النجاح من خلال تحصين صفوفها من أختراق الكتل السياسية لها بذريعة ركوب موجة الأصلاح والحذر من الأطراف الأقليمية والدولية الداعمة لهذه الكتل الفاسدة ، سيكون لهذه الحركة الدور الفاعل في العملية التصحيحية للواقع السياسي برمته من خلال وجود قوة برلمانية فاعلة و ضاغطة ولا يستهان بها تحت قبة البرلمان ، يمكنها أن تغير الكثير من مسارات العملية السياسية القائمة على المحاصصة ، ويمكن أن يتمخض من هذه الكتلة مستقبلاً ، كتلة سياسية جديدة عابرة للقومية والطائفية والحزبية ، يعول عليها الشارع العراقي في أنقاذ العراق من مستنقع فساد الكتل السياسية ، أذن مستقبل العراق مرهون بهذا التمرد أوالاحتجاج أوالانتفاضة أوالثورة وسمها ما شئت ، ونجاحها في مسعاها الوطني من خلال الدعم الشعبي وحراك منظمات المجتمع المدني الساند لهذا التحرك عبر تظاهرات الاحتجاج والاعتصام كفيل بتوفر مقومات نجاح هذه الحركة وتحصينها من مؤامرات القوى الداخلية والخارجيـة.
مقالات اخرى للكاتب