خرجنا أنا والدكتورة رقية قبل انتهاء المحاضرة التي كان يلقيها في قاعة الفندق مغترب عاش نصف عمره في أميركا وعاد الى هنا ليقص تجربته عن العيش في وسط ديمقراطي فيدرالي.
أصرّت رقية أن توصلني بسيارتها الى الباب الشرقي. قالت ضاحكة:
ـ أعتقد ان هذا الرجل لم يصل الى أميركا أبدا.
قلت لها:
ـ أؤيد استنتاجك.. ولا حتى الى الهند.
سألتني وهي تستدير بالسيارة:
ـ ما الفرق بين الصراحة والديمقراطية يا صديقي؟
قلت ساخرا:
ـ الأولى من التراث العربي والثانية من تراث الدول الاستعمارية.
قالت الدكتورة رقية باهتمام:
ـ الأولى هي مفهومنا عن الديمقراطية اما الثانية فهي نظام معقد لصيانة الحق الإنساني. الصراحة يا نزار هي مفهوم اجتماعي وتستعمل عندنا بطريقة غريبة. واحدنا يردد هذه المفردة وكأنه يقنع الآخر انه يخصه بالحقيقة ومعنى هذا ان كل ما نقوله هو كذب والآن فقط سنصدق. ويبدو لي أن هذه هي الحقيقة. اننا نكذب في كل شيء ولا نكون صادقين إلا إذا استخدمنا فيتو الصراحة. بصراحة وضعنا صعب جدا ويحتاج الى مراجعة وتأمل.
قلت لها:
ـ بصراحة يا دكتورة أنت تذكريني بمسألة عويصة تجري الآن في الساحة السياسية. إنهم يخبروننا دائما بوجود مبادرات واتفاقيات وحوارات ومصالحات بين الكتل ويطيب لهم مناقشة ذلك في بيت أحد الكبار لكنهم لا يتكلمون بصراحة عن هذه الاتفاقيات والتفاهمات والحوارات. الشعب لا يعرف شيئا. لا أحد يعرف لماذا فلان الفلاني زعلان من فلان العلاني ولماذا هذا لا يمد يده لذاك وما هو صلب الموضوع. لا أحد يستخدم فيتو الصراحة ولو مرة واحدة ليعلن لنا عن هذه العقدة اللعينة ومتى نتمكن من حل اشتباكاتها.
ضحكت الدكتورة رقية وقالت:
ـ احتمال انهم يخافون الحسد على ما أحرزوه من تقدم.
قلت:
ـ ولكن عيون الشعب باردة يا دكتورة.
قالت:
ـ لا أعتقد.. هم لديهم رواتب عالية وكهرباء وبيوتهم مصفحة مثل سياراتهم ويسافرون ويلبسون ويأكلون ويملكون جيوشا من الحمايات.. هذا يستوجب الحسد يا صديقي. يستوجب ان تظن انك في وطنين او ان هناك طبقة اجتماعية تعيش كما الأشباح ولا تظهر إلا في التلفزيون او في لندن وباريس وبيروت. انت فقط من يظهر في الباب الشرقي.
قلت:
ـ نعم.. مفهوم
سألتني الدكتورة رقية عن المكان الذي سأنزل فيه وقالت:
ـ نحن لم نعش ذل الماضي وقهره من أجل أن ننتظر أحدهم كي يتكلم بصراحة.. بصراحة شديدة يا نزار أنا أكره الزحام ولا أطيقه.
قلت لها:
ـ أشكر صراحتك.. سأنزل هنا.
مقالات اخرى للكاتب