أخبرني سعد أنه أجرى تغييرات جوهرية على مظهره وأنه يجاهد من أجل تشذيب عباراته والعمل على عدم إثارة الريبة.
كنت قد التقيته مصادفة في ساحة التحرير ولجأنا الى مقهى هربا من حرارة الشمس. سألته عن السبب فقال بأنه يواجه مضايقات عدة وهو يشعر بالملل ولا يريد الحديث عن السياسة. لم أفهم قصده وسألته إن كان متورطا في قضية ما او انه يهرب من شيء ما.
أكد لي أنه لم يتورط بشيء وقال:
ـ يا أخي كلما استعملت المواصلات واضطررت الى تجاذب أطراف الحديث مع زميل كيا او سائق تاكسي تخرج مني عبارات مثقفة ومرتبة بشكل حلو فيطمع السامع بالمزيد ويتوجب عليّ أن أرهق عبقريتي في الحديث عن السياسة ومجريات الأمور فيكيل لي عشرات الأسئلة وأدخل في حوارات توضيحية لا أخرج منها سوى بوجع الرأس. الناس يا نزار متعطشون لمعرفة الحقيقة مني ويملكون أسئلة هائلة ويشعرون انهم لا يستطيعون تشخيص ما يحدث، وما ان يظهر بطريقم من تبدو عليه رجاحة العقل وسعة المعلومة حتى ينفجرون بالأسئلة. اليوم مثلا سألني أحدهم وهو يراني أحمل جريدة في يدي عن قانون التقاعد. لم أكن قد انتبهت لقضية الجريدة لذلك قررت أن أتنكر لإخفاء علامات الثقافة الظاهرة عليّ وأشتري حقيبة لأحمل جرائدي وكتبي فيها.
سألته باستغراب:
ـ ولماذا لا ترد على استفساراتهم وأسئلتهم. انهم يتوقعون منك أن تنجدهم بمعلومة ما لأنك أعرف منهم بمجريات الأمور. الإنسان المثقف يا صديقي يجب أن يكون بخدمة الناس والا فما فائدة ثقافتك وعلمك.
رد سعد موضحا:
ـ أنا معك في هذا ولكن أنا لا أعرف بماذا أجيب الناس. لقد اكتشفت أنني أتقبل التعقيدات وعقلي يكن لها الاحترام بينما الإنسان البسيط يرى الأمور من زاوية واضحة وسهلة فاذا سألني أحدهم عن سبب تأخير إقرار قانون البنى التحتية فسأجد له ألف سبب يجعله لا يعيد طرح السؤال مدة سنة ولكن في الحقيقة ان جوابي بلا معنى. أنا وأنت سنتحدث عن القراءة الأولى والثانية والثالثة في البرلمان وعن تعارض رأي لجنة الأقاليم مع رأي اللجنة القانونية ولكن هذا كله بلا معنى بالنسبة للمواطن البسيط وهي لا تعد إجابة واضحة. نحن نعرف اننا نواجه معوقات جمة ونعرف الحلول ولكن لا أحد يهبنا الفعل المناسب. أنا أهرب من الأسئلة لأنني أشعر بالعجز.
قلت باهتمام:
ـ هذه سلبية يا صديقي. لا أحد يدعي أن الحياة جميلة هنا في العراق ولكن بالمقابل لا أحد يستطيع القول إن لا شيء يحدث. يوجد إخلاص ويوجد عمل وأنت كمثقف عليك أن تقف مع الذين يحتاجون الى فكرك ومشورتك. أنت تستطيع زرع الأمل في النفوس وتستطيع أن تهون على الناس تعبهم وتمدهم بالصبر والثبات. قويهم يا سعد بما تعرف ولا تهرب منهم وتنعزل. أخبرهم أين الصح وأين الخطأ. فرق بين الأبيض والأسود. لتكن أجوبتك واضحة وسلسة وفيها خلاصة. لا تعقد الأمور وكن مفهوما للصغير والكبير.. هكذا هي الدنيا وواجبنا أن نعمل ونصبر ونواصل مشوارنا حتى ننال النجاح.
نظر سعد في عيني وقال مبتسما:
ـ حسنا يا نزار لن أتنكر ولن أشتري الحقيبة لإخفاء الكتب والجرائد.
مقالات اخرى للكاتب