توافد الآف العراقيين الى الساحات والشوارع في مساء شهد لحظة انفجار فرح شعبي معبأ بالأهازيج والرقص والهتاف، وتواصل حتى الساعات الأولى من فجر اليوم التالي، ردة الفعل هذه تأتي كمعادل نفسي لفوز منتخب شباب العراق على كوريا الجنوبية .
طوفان الفرح المليوني الذي عم كافة مدن العراق، وامتداد هذا الشعور بالخروج من لحظة الصمت نحو التعبير التلقائي، ليشمل أية بقعة يتواجد فيها العراقيون أعطى أدلة عديدة لعل ابرزها هو غياب هذا الزائر الطارئ (الفرح) في حياتنا التي ترملت بسلوك السياسيين .
منتخب شباب العراق تشكل بعيدا عن المحاصصة ومفاهيم الهويات الفرعية التي جاء بها دستورنا الأعور، تناغم وفق ما تبقى من مشاعر وروح ثقافة المواطنة، دون تدخل فاعل من السياسيين وفسادهم ودوائرهم المشبوهة التي فشلت بتوظيف المنجز الرياضي وعوالمه البريئة .
شعب يعيش الحزن والحرمان ولا يمر يوم دون ان يحمل نعوش موتاهم الى المقابر لابد ان يخزن طبقات من الحزن الباحث عن لحظة تفريغ كما يقول العالم النمساوي سيجموند فرويد .
وطن مكبل بالأزمات واليأس، محروم من الفرح والرقص، وممنوع من الفنون والثقافات الترفيهية، شعب يؤرخ أيامه وفق أحداث الموت قديما وحديثا لم يجد تعبيرا يحظى بالقبول سوى فوز المنتخب، ومن هنا فأن الحدث لم يشمل المعنيين والمهتمين بالرياضة بقدر ما شهد تفاعل فئات وشرائح شعبية وعمرية بعيدة عن الرياضة قريبة من الأنفجار ..!
أنفعالات شعبية ورصاص أنار سماء المدن وأحدث ايقاعا مغايرا في سماوات العراق، تعلن جاهزية الشعب لحشد اكثر من مليون متطوع منفعل بلحظة وطنية صاخبة دون توجيه او قرار مسبق .
قراءات عديدة ينبغي ان تحمل تعاليم جديدة، بل جرس أنذار للحكومة والطبقة السياسية المهيمنة، بأن الشعب يمكن ان ينفجر بغضب ثوري ضدكم بطوفان مليوني اذا استمر استهتاركم بحقوقه والنقص الفادح في أمنه وخدماته وحرياته وكبريائه .
الغريب ان فرح العراقيين مساء الأحد وفجر الأثنين لم يشهد اعمالا تخريبية او خسائر بشرية تذكر، كما شهد احتجاب أكثرية سكان المنطقة (الخضراء) من الحكوميين والسياسيين عن المشاركة او الحضور للفرح الشعبي، كأنهم مأخوذين بالكراهية، ووقارهم لا يعدو ان يكون اكثر من وقار زائف، هؤلاء اعداء الفرح .
مقالات اخرى للكاتب