بعد مرور أسبوعين على إقامة النائب جواد البزوني دعواه القضائية ضدي بتهمة "القذف" يبقى السؤال قائماً: أليس قضية كهذه تستلزم مراجعة حسابات الصحافة، والقضاء، والتمثيل البرلماني؟.
بعد أن اطلعت على الدعوى التي سجلها البزوني في المحكمة، تساءلت كيف يسجل القضاء تهمة غير موجهة الدعوى، بمعنى أن النص "البوست" المنشور في الفيس بوك لم يذكر اسماً، ولا حتى مؤسسة أو كيانا معنوياً، فكيف قبل المحقق القضائي فتح ملف قضية باسم شخص لمجرد أنه قال: "هذا الكلام الذي في الفيس بوك يعنيني" أليس من باب الفضول التحقيقي على الأقل أن يطلب المحقق دليلا على أن المقصود بالكلام هو المشتكي نفسه؟ هذه سابقة خطيرة أسجلها للتاريخ أمام القضاء العراقي المشهود له بالعديد من المواقف النزيهة والعادلة.
ثم لنفترض أن "كلام البوست" كان موجها إلى جهة معنوية، أليس من باب التساؤلات القضائية أن يتذكر أن المادة (433) لا تعني المؤسسات، وأن القذف محدد بنسبة الفاحشة الى شخص محدد بعينه (بما يتسبب بعقابه أو احتقاره عن أهل وطنه)، وليس إلى جهات أو كيانات معنوية؟ بل إن من التساؤلات ـ لو افترضنا أن المادة (433) تشمل الكيانات المعنوية ـ أن يطلب المحقق القضائي من "المشتكي" ذكر هذه الجهة، والدليل على أن المشتكي هو الجهة نفسها أو أنه من يمثلها قانونياً. الغريب أن الدعوى سجلت باسم شخص لم يذكر اسمه ولا يحمل صفة تمثيل قانوني عن الجهة التي يمثلها، وإلا لكان الأولى أن تطالب اللجنة القانونية في البرلمان بإقامة الدعوى.
التساؤل نفسه يشمل بقية البرلمانيين الذين لم يحركوا ساكنا بشأن إقدام أحد أعضاء البرلمان على إقامة دعوى ضد كاتب وصحفي عراقي، إذ أليس من باب (النشاط البرلماني) أن يتم استدعاء النائب جواد البزوني باعتباره عضوا في المؤسسة التشريعية قدم شكوى تحت هذا المسمى، وأن تتم مساءلته على اتخاذه قرار إقامة دعوى تعني كل أعضاء البرلمان العراقي، وأن يسأل عن الدوافع التي جعلته يقيم الدعوى، فإن كانت محقة دعموه في مسعاه كفرد من فريق متكامل، وإن لم تكن كذلك أوصوه بعدم تقديم الشكوى. إنها أيضا سابقة خطيرة أن يغفل البرلمان العراقي قضية تعنيه في المحاكم، ويتغافل وجودها؟
أما السؤال الذي يعني الجسد الصحفي في العراق، فيثيره عدم تغطية المؤسسات الإعلامية للخبر، حتى بدا الأمر وكأنه تعتيم إعلامي متعمد، إذ لم تبادر أي مؤسسة صحفية إلى الاتصال بي وسؤالي عن حيثيات الموضوع للكتابة عنه، رغم أن جريدة "العالم الجديد" في سبقها الصحفي بعددها الأول أثارت الموضوع وفتحت باب الحشرية الصحفية لكل من يريد أن يعرف شيئا عن القضية. نعم أعلن مئات الصحفيين العراقيين والعرب دعمهم لي واتصل أصدقاء آخرون عن طريق الإيميل أو الهاتف، وكتب آخرون مقالات صحفية أنصفت قضيتي، ولكن مؤسسة إعلامية لم تتصل بي لمتابعة هذا الأمر، بل إن مؤسسات الدفاع عن الصحفيين لم تصدر ولو موقفا "توفيقيا" بشأن الدعوى القضائية التي أقيمت ضدي، وهذه أيضا سابقة خطيرة أن تتخلى المؤسسات الصحفية عن دورها إزاء الصحفي حين تتعرض حريته الصحفية للاضطهاد، أو التهديد.
إنها أسئلة مطروحة أما القضاء العراقي بكل محاميه وقضاته، وأمام البرلمان العراقي بكل أعضائه ولجانه، وأمام الصحافة العراقية صحفيين ومؤسسات، (أسئلة فقط) وأدعو الجميع إلى مراجعة المادة 433 من قانون العقوبات العراقي لأننا بالفعل بحاجة إلى أن نعيد النظر بها، وتطويرها بما يتناسب وتطورات العصر الالكترونية، فالفيس بوك وإن استخدم وسيلة للنشر، إلا أنه في الاصل مجتمع افتراضي وليس مؤسسة إعلامية.
مقالات اخرى للكاتب