تعد الجوائز الصحفية إحدى أهم روافد الإعلام . إذ أنها ربما تنجب مجموعة من الأسماء وخاصة الصحفيين والإعلاميين الذين ظهروا بعد التغيير كي يثبتوا واثقين في مسيرة الصحافة الطويلة الشائكة . ويكون الفرز معززا لفكرة استمرار الصحافة في تواصلها المستمر والتي لا تتوقف أبدا طالما تضخ فيها أقلاما وحناجرا شابة بين الحين والأخر . وان تتبعنا مسيرة المسابقات والجوائز الصحفية والإعلامية ولاسيما مسابقة نقابة الصحفيين العراقيين والتي أعلنت نتائجها يوم الجمعة 28/ 6 / 2013، نجد أنها اعتمدت على مشاركات كثيرة من الصحفيين والإعلاميين في شتى الأعمار والمستويات مما يخلق جوا من المنافسة كان لها الأثر في إظهار الأسماء التي تستحق الفوز بجدارة . من هنا لابد لنا من القول بان المسابقات الصحفية تنتج أسماء مهمة ودماء جديدة لها تأثير مباشر على الحركة الصحفية عموما . وتحتفظ ذاكرتنا الصحفية بالكثير من المسابقات المحلية والعربية والدولية وهي تنطلق بمناسبة أو بدونها . وكم من أسماء مهمة ظهرت وتعزز موقعها في الفضاء الإعلامي ساهمت تلك المسابقات في إظهارها . ولكن مسابقة نقابة الصحفيين العراقيين الأخيرة اشترك فيها كتاب وصحفيين معروفين ولهم باع طويل في صنعة الصحافة مما جعل المسابقة أو جائزة بغداد للفنون الصحفية من العيار الثقيل . في العراق كان السائد المطلق للمسابقات هي تلك التي صنعها النظام وكانت تعبوية مقصودة وتنصب كلها في صناعة الديكتاتور وإظهاره بمظهر البطل الأوحد الذي لا يجاريه بطل متناسين آلام الناس ومعاناتهم وقهرهم وتشريدهم وتقتيلهم . تلك المسابقات اعتبرت موضوع صناعة الصنم واجبا وطنيا عليهم أن يبجلوه ويعطوه بعدا خارج حدود الواقع فيكون بنظرهم بطلا ومحررا وفاتحا وإنسانيا لا مثيل له ! ومن لا يتضمن مقاله أو برنامجه أو نصه هذه الصفات فانه يستبعد من المسابقة وخاصة المقالات الراكزة المكتوبة للصحافة حسب ، ومن لم يتناول تلك المواصفات والمحددات فيمكن له أن يتناول أحداثا زائفة وغير واقعية تدل على الانتصارات الوهمية عندها يسمح له بالمشاركة ولكنه لا يعطى مرتبة عالية ويفضل المقال أو العمود أو النص الذي يتناول الأكاذيب حول شخصية الحاكم وربطها دائما بما يحدث على الجبهة . وهكذا كانت المواصفات المطلوبة جاهزة ومحدودة جدا لا يمكن تجاوزها . أما بعد سقوط النظام فان الحالة اختلفت في تضمين نص المسابقات لأية مواصفات أو مقاسات معينة ومحددة . فانطلقت الرؤى والأخيلة والأفكار تتسابق في إظهار حرية التعبير الخالية من المقيدات والأبعاد المقصودة فكانت المقالات والأعمدة والصور والبرامج والنصوص محملة ومشبعة بالمحن والآلام التي مرت بالبلاد أيام النظام والأيام اللاحقة التي اهتزت بالانفجارات والمفخخات بمجرد أن أزيح الصنم وبدأت دولة أخرى تنبعث من ركام الماضي وويلاته وقساوته في كل شيء . إذن كان انبعاثا جديدا لاح في أفق المشهد الصحفي العراقي ووعيا مضافا إلى الخزين المتكدس عند كل كاتب أو صحفي أو إعلامي أو فنان أو أديب أو مثقف . فانطلقت المشاركات الواسعة وغير المحدودة للاشتراك في كل المسابقات التي أقيمت بعد سقوط النظام . فكانت المؤسسات الإعلامية والصحفية والثقافية سباقة في هذا المجال ونظمت مسابقات صحفية الهدف كان واضحا منها وهو تعزيز مكانة الصحفي والكاتب العراقي داخل بلده وإعادة الاعتبار له بعد سلسلة الاستباحات والخسائر التي مرت به أيام النظام . وعلى هذا الأساس نظمت نقابة الصحفيين مسابقة جائزة بغداد للفنون الصحفية والتي استقطبت الكثير من الكتاب والصحفيين والإعلاميين العراقيين شبابا وروادا فأضيفت إلى سلسلة المسابقات والجوائز المحلية في العراق . وعلينا أن نميز بين المسابقات والجوائز الرسمية وغير الرسمية . فالرسمية المتمثلة بوزارة الثقافة تعنى بالتزام الخط الصحفي والإعلامي ومحاولة تعزيز الموقع الحقيقي للصحفي العراقي الذي عاني من إبعاد مقصود في زمن النظام البائد وحورب بشتى أنواع الترهيب والتعذيب .
أما المسابقات والجوائز غير الرسمية والمتمثلة في نقابة الصحفيين العراقيين و المؤسسات الإعلامية والصحفية كالصحف والفضائيات والمراكز والمنتديات الثقافية عامة . فهذه تكون مستمرة على مدار العام وربما كل شهر أو في كل موسم . إن مسابقة نقابة الصحفيين العراقيين شهدت إقبالا كبيرا من المشاركين بسبب اغراءات الجوائز المقدمة وتميزت بكثرة المشاركات لكلا الجنسين . وفيها يكون المتسابق الفائز قد اخذ حيزا إعلاميا جيدا في تغطية الحدث وربما يعرف اسمه في الوسط الصحفي والإعلامي بسرعة مختصرا أعواما كثيرة من عناء الكتابة .. إن الأسماء الصحفية والإعلامية التي حصلت على جوائز مسابقة نقابة الصحفيين ، كفيلة بان تكشف مواهب وطاقات كثيرة تدخل ميدان الصحافة والإعلام والكتابة وتاخذا حيزا مهما فيها فيكونون سندا واثقا للمستقبل الذي سيبشر بكثير من المواهب الواعدة .
ولان الصحافة بأصنافها المختلفة ، هي سيل متدفق من الرؤى والأفكار المتنوعة ، فقد تكون أكثر تأثيرا على المتلقي من غيرها من الوسائل . ولذا كم نحن بحاجة من مؤسسات الإعلام العراقية الرسمية وغيرها بان تتبنى مسابقات صحفية خاصة بالشباب أو بالكاتبات فقط . هذه المبادرة سيكون لها تاثيراتها اللاحقة في المشهد ككل ، لأنها ستضيف أسماء جديدة كان اللثام يغطي إبداعها ولم يكتشفها احد . وقد تكتشف الكثير من الأسماء الشبابية من كلا الجنسين . وبذا يتعزز المشهد الصحفي والثقافي العراقي بمشاركة الكثير من الأسماء المنزوية بعيدا عن الأضواء مما يؤدي إلى توسيع مدارك ومدارات المشهد العراقي المتميز. ونعتقد بان هذه المؤسسات تستطيع أن تقيم هذه المسابقات في كل موسم أو في كل عام أو حسب ما ترتاي .. وهكذا فان الكثير من الصحفيين و الكتاب سوف يظهر للعيان وسيكون بمثابة جواز مرور لهم في طريق الصحافة الوعر ويتواصلون بشكل أكثر سهولة مع كل الصحفيين والكتاب والمبدعين في العراق .
واعتقد بان بعض الصحف العراقية أطلقت مسابقاتها الصحفية ولكنها كانت غير متخصصة للشباب بل كانت مختلطة تماما وهنا تضيع فرصة الشباب في المنافسة والحصول على موقع في المشهد الصحفي والإعلامي , وهذا ما وجدناه جليا في مسابقة نقابة الصحفيين العراقيين حيث حصد رواد الصحافة وكبارها اغلب الجوائز.
وفي العراق يوجد الكثير من الصحفيين والإعلاميين والمبدعين الشباب الذين لم يحصلوا على فرصة ما في المشهد الصحفي والإعلامي و الثقافي والفكري والأدبي والفني الكبير ، ويعود ذلك لعدة أسباب أهمها ابتعاد مراكز الصحافة العراقية وصناعة القرار الصحفي عنهم وعدم تشجيعهم في الكتابة في الصحف أو الصفحات الثقافية الخاصة بوزارة الثقافة أو المؤسسات الأخرى أو طبع نتاجهم الصحفي أو الفكري أو الأدبي كدافع للاستمرار والعطاء , وحينما يتحقق ذلك فسوف نجد حالة صحية تسود فضاء الصحافة والإعلام والثقافة والأدب وعندها يكون التميز واضحا بين الكتاب والصحفيين والإعلاميين المعروفين وبين الشباب الذين يخطون في أول خطواتهم والذين نراهم اليوم وهم يشاركون بهمة عالية ووتيرة متصاعدة في بناء مرتكزات الصحافة العراقية الأصيلة .. إنها أمنيات بان نرى كل الصحفيين المبدعين يحصلون على فرصهم في سماء الصحافة العراقية دون أن يستثنى أو يقصى أي احد مهما كان انتماؤه أو عرقه أو مذهبه ، فكل العراقيين وحدة واحدة ونسيج متكامل لا يمكن فصله .
وفي المرحلة الحالية التي يمر بها المشهد الصحفي العراقي الكل مطالب بان يحافظ على وطنية الصحافة العراقية المهددة من قبل أعداء العراق من قتلة وإرهابيين ومن أعداء للفكر والإبداع العراقي المتميز على مدى السنين والمتربصين دائما للنيل من سمو ومرفعة الفكر العراقي الخالد . مما يتطلب وقفة واحدة شجاعة دفاعا عن صحافتنا وعن وطنيتها التي أريد لها بان تنتهك وبان تسقط أمام هجمات الحقد والقتل . وفي قوادم الأيام لنا وقفة أخرى مع جائزة بغداد للفنون الصحفية...
مقالات اخرى للكاتب