حاز هذا الفيديو، في موقع "اليوتيوب"، على مشاهدةٍ عالية:
حُشِرَ موكبُ المسؤولِ في طريقٍ فرعيٍ بحيٍ سكنيٍ فقير في مدينة الصدر.
الأطفالُ يتجمعون بالقرب منه.
الزحام يتطلب من المرء قدرةً خارقةً على الصبر. أصواتُ منبهِ العجلاتِ تتصاعد، والمُدرعات تتأهبُ لاعتلاءِ الأرصفةِ، وبدا أنَّ المحركات تستعد لسحق أي شيء يمكن له أن يعترض طريقها.
المنبهات وزمجرة العجلات المدرعة والمدفوعة بقوة رباعية، كانت مثل كائنات فضائية غاضبة، تحاول أن تتجاوز هذا الحي الساكن في العزلة، والوجوه الكالحة.
الاطفال، أطفال الحي الفقير، يجمعون الحجارة.
الأطفال، الحفاة، غاضبون
العجلات المدرعة تستشعر بأن المراهقين الذين تزداد أعدادهم على جانبي الطريق على وشك أن يحطموا الزجاج، وربما يفعلون أكثر من هذا.
صار من الواضح أن مشهداً لانتفاضة صغيرة سيبدأ، الآن. ولم ينفع إطلاق الجنود الرصاص في الهواء.
لم يخف أحد. الأطفال، الحفاة، أصحاب الوجوه الكالحة، يركزون في ضرباتهم بالحجارة على سيارة بيضاء من الحجم الكبير، ويبدو أنها، دون غيرها، من تحمل المسؤول.
ما الذي قاله، في تلك اللحظة، وهو يمعن النظر في وجوه الغاضبين.
الغاضبون، الذين انتفضوا، صغار.
ختام المشهد:
العجلاتُ المُدرعةُ، والدفعُ الرباعي المدعومُ بزجاجٍ ضد الرصاص، وجنود بأسلحة خفيفة ومتوسطة، يفتحون الطريق. ينتهي الزحام في رمشة عين، ليفر الجميع.
سوى أن طفلاً يتشبث بمؤخرة عجلة الهامر، كما لو أنه يقول انتظروا لم يشف الغليل بعد.
ربما انتشر الشريط المرئي هذا، بعد أيام من جدل بشأن قدرة العراقيين على الغضب، وعن رغبتهم في أن يكونوا غاضبين أساساً، وما قد يفعلونه لو تحققت لهم فرصة تغيير ما، حتى لو كان مديرا للبلدية.
الكثير ممن كتب في هذا مقتنع بأن تجربة العراق تحول دون الحصول على جمهور منتفض. سنوات الحروب، والحصار، وأعمال العنف قزمت شعور العراقيين بالضيق، ولم يعد الكثير منهم مستعداً لتغيير الحياة.
الحياة الجديدة تعني نهاية الحياة الراهنة.
كان هذا الرأي مبذولاً في باب المقارنة مع المصريين.
لكن العراقيين شعبٌ كسول، ومنذ العام 2003 تتفاقم مظاهر التقاعس، والانكفاء عن جوهر الحياة السياسية والثقافية.
أتخيل أولئك الذين يشتمون النواب على خدمات رديئة، ينهضون باكراً يوم الاقتراع من دون أن يغيروا شيئاً
القصة أبعد من تأثير حرب على جيل لم يشهدها، فأبطال هذا الفيديو لم يشتركوا في الحرب، ولم يشهدوا حصار التسعينات.
لو كررت مشاهدة الفيديو مرات عدة لتمكنت من ملاحظة أن المراهقين وهم يحاصرون الرتل العسكري كأنهم عصف لفكرة غاضبة.
لم يتفوه أحدهم بكلمة واحدة، سوى صبي كان يؤشر لجندي يقود الهامر بالهروب. كانت لقطة صادمة، هذا الأعزل الصغير يرفع يده لرتل مدجج بطول الشارع، وأخيراً لن تسمع سوى أصوات العجلات الهاربة.
بدا المشهد وكأنك لم تلتق بمثل هؤلاء الفتيان في المقاهي، أو قاعات اللعب الترفيهية في العاصمة. ربما لا تجدهم على أبواب المطاعم، أو محلات الموبايل.
نحن، الذين نكتب يومياً، في ادعاء المعرفة بشؤون الخلق، لا نعرف شيئاً عما يدور في كواليس هذه المدن.
ثمة حفاة، بوجوه حالكة، ينذرون بفكرة مجتمع مختلف. ربما يعصفون بهمرات السلطة، وينسفون نظريات النخبة.
مقالات اخرى للكاتب