ثمة طارق يطرق باب التفكير يلح بالسؤال: هل أن الديمقراطية هذا الحلم الوردي، مجرد خدعة سياسية كبيرة تنطوي على مفارقات غير طيبة ونتائج كارثية..!؟
والسؤال ليس من نوع أسئلة التضاد الفكري، بل هو نتاج الواقع الملموس، والأمثلة أكثر من أن تحصى، سيما عندنا هنا في العراق..!
ويرد طارق آخر: إن الذي عندنا ليس ديمقراطية بالمعنى المعروف عالميا، بل هو نمط من الحكم يجلس فيه الحكام على رؤوس دبابيس!! وبذا فإنهم محكومين بوخز مستمر أدمنوه لأنه ليس وخز ضمير..ومن لا يؤلمه الوخز ليس له ضمير..!
طارق ثالث يقول: دع ترهاتك وكلامك الذي يحتاج الى تفسير وتكلم بلغة يفهمها بسطاء الناس، وأرد عليه: ليس بيننا بسطاء، فكم آلامنا التي سببتها لنا ديمقراطية ما بعد 2003 صيرنا كلنا فلاسفة، واسأل حميدة أم اللبن وستذهلك فلسفتها، هل سمعت بفلسفة الألم..؟..مؤكد أنك لم تسمع عنها شيئا، ليس لأنك لم تصغ لما يقال، بل لأنك أصم من هول الفجيعة الديمقراطي..!
في ديمقراطيتنا فراغات لم نستطع أن نملأ محتواها، فراغات تشريعية وتنفيذية وقضائية وتعبوية.
الفراغ التشريعي سيبقى قائما الى أمد طويل لأننا وبصراحة لا نتوفر على رجال مشرعين، بل جل ما عندنا متفيقهين يصيبون مرة ويخطئون مئآت المرات، والمرة التي يصيبون فيها لا يمكن تنفيذها، لأن الفراغ التنفيذي يحول دون ذلك..
في الفراغ التنفيذي تيه سببه أننا وضعنا رجالا في أماكن لا يليقون لها، طبيب على رأس وزارة مالية، وتاجر على رأس وزارة كهرباء، وسمكري قائدا لوحدة عسكرية، ونشال دولي نائب في البرلمان، وأديبا وزيرا للدفاع، ومعلم إبتدائية مديرا عاما للتربية في محافظة، وبائع خضار عضوا لمجلس محافظة..وسمسار عقارات محافظ، هل أستمر بتقديم أمثلة..!؟
في الفراغ القضائي ليس لدينا قضاء، بل أن ما نمتلكه هو رجال بأوداج منتفخة مخترقون فاسدون حتى النخاع، فتحولوا الى سلعة يشتريها اللصوص والأرهابين والقتلة والمرتشين، وكانوا سلعا رخيصة جدا، أرخص مما تتوقعون..!
في الفراغ التعبوي توصلنا الى حقيقة يتعين أن نتعرف بها، هي أننا بحاجة الى زمن طويل حتى نتمكن من أن نلبي متطلبات الديمقراطية..فنحن بالحقيقة مازلنا شعبا قبليا يحب أن يقلد أموره الى زعماء من أي صنف..زعيم قبيلة عشائري، زعيم قبيلة سياسية، زعيم قبيلة إدارية، زعيم قبيلة قومية، زعيم قبيلة دينية..زعماء..زعماء..المهم أن ننيط أمورنا الى من يتزعمنا لأننا لا نمتلك رؤوسا نفكر بها..!
كلام قبل السلام: الحجر مادة مزدوجة الاستعمال، مرة يمكن أن نشيد به بناءا، ومرة أخرى يمكن أن نرمي به خطايانا..!
سلام.
مقالات اخرى للكاتب