ماتزال مبادرة البنك المركزي العراقي الساعية الى تقديم قروض ضخمة بقيمة خمسة ترليونات دينار الى المصارف والقطاع الخاص بهدف تنشيط الاقتصاد الوطني، ماتزال تعد ( خطوة غير مضمونة العواقب ) على المستقبل الاقتصادي العراقي، وذلك لجملة إعتبارات يمكن توضيحها وفق المحاور المهمة التالية :
1. ان نظام الدولة الحالي في العراق غير واضح المعالم أصلا، وهناك جملة تساؤلات عن طبيعة النظام المطلوب اتباعه : هل هو نظام يقترب من النظام الإشتراكي أو الرأسمالي أو ( الاسلامي ) أو هو نظام آخر يجمع مابين كل تلك الانظمة غير المتناسقة، إذ لم يتم حتى الان تحديد شكل النظام السياسي والاقتصادي الذي ينبغي ان يسير العراق ضمن منهجه الهيلامي المتذبذب والذي مايزال يسير في أطر التجريب، اكثر من كونه رغبة للسير بنظام اقتصادي عالمي، يعتمد اقتصاد السوق، المتبع في أغلب دول العالم.
2. ان خطط الدولة الحالية ان وجدت فهي تعتمد على ردات الفعل الآنية ومتغيرات الوضع الساسي المرتبك، لا على أساس رغبة جادة في اتباع نظام اقتصادي يستفيد من خبرات دول سبقتنا في هذا المجال، والاقتصاد العراقي يعتمد على مصدر وحيد الجانب هو موارد النفط، واذا ماحدثت تطورات سلبية خطيرة ربما تؤدي الى انخفاضات غير مسبوقة في الأسعار ، وعدم وجود مصادر أخرى للدخل الوطني، فأن البلد معرضة لأن يصل الى هاوية لايعلم الا الله مدى ماتتركه من تأثيرات بالغة السوء على مستقبل العراق.
3. ان شركات القطاع الخاص التي يود البنك المركزي العراقي ان يقدم اسهاماته لها هو في جانب الاقراض بهدف تطوير انشطتها، ولكن أغلب هذه الشركات التابعة للقطاع الخاص مرتبطة بقوى وشخصيات من داخل النظام السياسي متهمة بالفساد وان مستقبلها ليس مضمونا، كونها تعتمد على مشاريع عليها علامات استفهام كثيرة لعدم وجود شركات يمكن ان يثق بها العراقيون، إذ ان تجارب السنوات السابقة مع اغلب تلك الشركات المحسوبة على القطاع الخاص مرتبطة بأشخاص وقوى سياسية لايمكن الوثوق بها من قبل المستثمرين ولا السوق الوطني الذي سئم التعامل مع هكذا انماط من تلك الشركات.
4. ان عدم وجود قانون للاستثمار في العراق حتى الان يحول دون دخول شركات الاستثمار الكبيرة الى داخل البلد، وان الاعتماد على شركات وطنية صغيرة لايقدم للاقتصاد العراقي امكانات مضمونة من التقدم التجاري والاقتصادي الفعال، قياسا الى حجم الاستثمار الذي تسعى شركات متخصصة الى دخول ميادينه في العراق، وهو بنفس الوقت سوق غير مضمونة وعليها العديد من علامات الاستفهام بسبب تذبذب الوضع الأمني وارتباكه في كثير من الاحيان، كما ان التحديات الداخلية ووجود داعش لايضمن وجود ثقة لتلك الشركات الكبرى للدخول الى السوق العراقية ، لهذا ربما اضطر البنك المركزي اللجوء الى وسيلة الاقراض كجزء من محاولته تحرك الاقتصاد الوطني الداخلي،عله يكون بمقدوره البحث عن بدائل لتعضيد الاقتصاد الوطني او تحريكه لتعظيم الموارد، لكن هذه الخطوة يمكن ان تقوم بها المصارف المهمة ومنها مصرف الرافدين، اكثر من كونها مهمة البنك المركزي العراقي، حتى لاتذهب مصادر التمويل الى جهات مضمونة وهي مصرف الرافدين الذي هو بمقدوره ان يتمكن من اعادة تلك المبالغ الضخمة ومن خلاله يتمكن من تعظيم موارد البلد، والاسهام في تطوير قدراته الاقتصادية والتجارية.
5. ان صرف كل تلك المبالغ الضخمة ( خمسة تريليونات ) وذهابها الى قطاعات مختلفة صناعية وتجارية وشركات استثمار محلية عبر القطاع الخاص لايضمن قيام سوق اقتصادية واعدة في المستقبل في ظل تخبط سياسي واقتصادي ، لايعتمد نظاما يمكن ان يكون رسالة تطمين للاخرين للمضي في هكذا انشطة قوية ، لأن التجارب السابقة المريرة والتهديدات التي قد يتعرض لها القائمون بالاستثمار وعدم سماح الكارتل المسيطر على البلد لشخصيات ورجال اعمال معروفين وذوي خبرة طويلة، يحول دون دخول شركات كبرى او رجال اعمال ذوي شأن في تجارة القطاع الخاص، وان كثيرا من الداخلين الى سوق المال والتجارة ممن سيعرفون ان انشطتهم ستتعرض الى خسارات ربما سيدخلون في مواجهة مع هؤلاء الشخصيات والشركات الكبرى بهدف افشال مهمة دخولهم السوق العراقية ومحاربتهم بأية طريقة ومنها طرق الابتزاز المعروفة التي خبرها المسيطرون على قنوات التجارة والمال في العراق ، وهم من جنوا ارباحا فاحشة، وربما يدخل هؤلاء في ( تفاهم ) مشترك للسير بالبلد الى ماهو اخطر من الوضع الحالي، بطرق فساد مختلفة ومتعددة الاشكال، تكون مدخلا للسابقين لكي يبقى لهم الكلمة والقدح المعلى للاستحواذ على مصادر الثروة والمال، وهم
من سيبقون المتحكمين برقاب السلطة والمال بطرق مختلفة، واساليب تحايل يصعب اكتشافها احيانا، مايجعل من تطوير قطاعات الاقتصاد العراقي أمرا غير مضمون النتائج، بل ان الحصول على مبالغ القروض الضخمة أمرا يكاد يكون أقرب الى المعجزات.
6. ان التظاهرات التي تجتاح البلد والنقمة الشعبية الداخلية على قياداته السياسية والدينية التي واجهت من النقد والاتهامات المختلفة بالاختلاس والاستحواذ على مصادر الثروة، يجعل من امر استقرار النظام السياسي الحالي امرا غير مضمون النتائج، وقد يتعرض الوضع السياسي الى هزات عنيفة ، ولايدري العراقيون الى أي من الطرق سائرين، ومستقبلهم غامض تماما، بل ان حتى قيادات البلد ادركت ان أمر بقاءها غير مضمون فكيف يطرح البنك المركزي العراقي خطوة خطيرة من هذا النوع في محاولة للاقراض كبيرة الحجم، ربما تودي بمصير ثروة البلد الى قنوات كارثية، يجعل من امر استرداد كل تلك المبالغ أمرا غير مضمون بكل تأكيد.
7. الأغرب من ذلك أن تطرح أسماء مهمة مثل المستشار الاقتصادي الاستاذ محمد مظهر صالح والخبير الاقتصادي المعروف باسم جميل تصورات للسير بهذا الاتجاه لدعم خطوة البنك المركزي العراقي في خطوته الاقراضية الخيالية هذه دون او يوفروا ضمانات لكيفية استرداد تلك المبالغ الخيالية التي تؤثر على خزين البنك المركزي العراقي واحتياطيه بشكل كبير دون اعتبارات للمخاطر التي سبق ان أشرنا اليها في هذا الاستعراض المهم والذي يعد مجالا لأن يدخل اهتمامات أعلى القيادات التي يهمها أمر البلد ومستقبله من تلك التي تمتلك حسا وطنيا وحرصا على سلامة مصادر ثروته من ان تتعرض الى النهب والاستغلال والتحايل بطرق شتى لكي تبقى هي المسيطرة على مستقبل البلد وفقا لاهوائها حتى لو ذهب مستقبل ملاين العراقيين واجيالهم الى الجحيم.
هذه ملاحظات في غاية الاهمية ، وددنا وضعها امام القائمين على شؤون البلد، وعلى خبراء المال والاقتصاد وخبراء السياسة ، لكي يدرسوا مترتباتها وإثارها الخطيرة على مستقبل البلد، قبل ان تصل الامور في العراق الى حالات ترد اقتصادي خطيرة ، لم يشهد لها تاريخ العراق مثيلا.
مقالات اخرى للكاتب