المظاهرات قوة جماهيرية جارفة ابسط نتائجها بطاقات صفراء وحمراء بوجه الطبقة السياسية المنتهية الصلاحية، المظاهرات مظهر من مظاهر جماعات الضغط التي تريد الاصلاح من داخل الخندق وقد تتجاوز ذلك لتتحول الى بركان جماهيري ينسف العملية السياسية برمتها... ولان الخيار الاخير قائم وتجارب البلدان المجاورة تثير القلق من تحول الحراك السلمي في الغالب الى صراع دموي، ولان بعض القوى السياسية دخلت على خط المظاهرات اثير جدل كبير بين المتظاهرين انفسهم حول العديد من القضايا، حول ذلك الجدل جاءت الملاحظات التالية:
- ان معظم ما يثار من جدل حول المظاهرات، الخطوات العملية، سقف المطالب يصب في نهاية المطاف في صالح النشاط المدني سواء تمثل في مظاهرات او أي نشاط مشابه، انه باختصار ورشة مفتوحة لممارسة النشاط المدني وبتلك الورشة من المتوقع جدا ان تطفو الاخطاء الى السطح خصوصا وان المظاهرات لا تقودها جهة لها هيكل تنظيمي واضح لكي نطالبها بخطوات مقاسة بميزان الذهب!
- من حق الجميع ان يتخوف يثير الجدل يتردد حول مشاركة هذا الفصيل او تلك الشخصية بالمظاهرات في نهاية المطاف هناك مخاوف من التفات السياسيين على المظاهرات ومحاولة اختطافها بشكل او بآخر. القناعات المختلفة حول هذه الخطوة او تلك حالة صحيحة، فالمظاهرات زفت من قبل جمهور عريض من مختلف الشرائح الاجتماعية وليس منطقيا ان يتم وضع ذلك الطيف الكبير في خانة واحدة. واذا ما كان هناك قلق مشروع من محاولة القوى السياسية خطف المظاهرات فان القلق الاكبر ما تقوم بعض وسائل الاعلام حينما تقتصر تغطيتها على المظاهرات من خلال الاتصال بأسماء وكنى وهمية بهدف جر المظاهرات لمستنقع الطائفية والمحاصصة.
- المتظاهرون الذين خرجوا في مختلف المدن العراقية يجمعهم سقف المطالبة بمحاربة الفساد ولكنهم مختلفين كثيرا في آلية تنفيذ ذلك، فمنهم من يريد نسف العملية السياسية برمتها، ومنهم من يريد اسقاط الحكومة، ومنهم من يطالب بإقالة وزير، ثم ان هناك شرائح اخرى دخلت المظاهرات لمطالبة شرائح بعينها، جميع هؤلاء وإن اثروا المشهد الضاغط على الطبقة السياسية حتى الان لكن ليس من السهولة بمكان بلورة هذه المطالب المختلفة في ورقة واحدة.
- ان ما يثار من جدل مفهوم تماما في كل الاحوال.. فالحالة العراقية معقدة جدا، اذ ان الدوران بالعموميات لن يوفر اكثر من عوامل ضغط وان كانت ايجابية لكنها لا تفي بالغرض مع سقف الفوضى الحاصلة في البلد وحجم الفساد والخراب، كما ان المطالب الخاصة والمحدودة تقتل طموح المتظاهرين وتحجم هذه الفورة الجماهيرية الكبيرة جدا. اما المطالبة بنسف العملية السياسية برمتها فهو خيار فيه مغامرة كبرى قد تجعلنا جميعا في مهب الريح ونحن نخوض حربا ضد الارهاب، خصوصا مع عدم تبلور تيارات سياسية او مدنية ناضجة بما يكفي بحيث تكون قادرة على تجاوز مرحلة الثورة وما بعدها.
مقالات اخرى للكاتب