حين تنهض الأمة وترتقي , من المؤكد إن جميع بناها التحتية تنهض بالإجماع لتعطي طابعا عاما إن الدولة والشعب يريدان بناء وطنهم وحضارتهم .. هكذا تتكاتف جميع المؤسسات الحكومية والشعبية والمواطن العادي مع وجود قيادة حكيمة مخلصة ...تنهض الأمة وترتقي ....
خلال زيارتنا الأخيرة للجمهورية الإسلامية الإيرانية كان جدول الزيارة مزدحما ولكن من خلاله زرنا مقبرة طهران { بهشت الزهراء } ذهب في مخيلتي صورة مقبرة وادي السلام الذي يرقد فيه الذين خدموا العراق بمواقفهم , وتشرفوا بأعواد المشانق وتدلت جثثهم بحبال الطغاة.. مقبرة تضم قبور قادة ثورة العشرين , وعلماء الشيعة وفقهائها , واحتضنت حصة كبيرة للمغدورين في حربي القادسية واحتلال الكويت ... ولا زالت تواري جثث الشهداء ... شهداء الحقد الأموي البعثي التكفيري .. مقبرة النجف بحجم مساحتها وطول دهرها أم تستقبل جثث العراقيين وغيرهم من المسلمين لكنها تعاني الفوضى والإهمال , رغم إنها تدر أموالاَ وهبات كثيرة ولكنها تتراجع عن قيم المدفونين وتعطي صورة سيئة للزائرين الأحياء إننا بلد لا نحترم موتانا مطلقا ...
مقبرة بهشت الزهراء حين زرتها تفا جئت وكأني ازور حديقة غناء مملوءة بالورود ... شوارعها مرصوفة بالحجر المقرنص , والحدائق الغناء والأشجار الباسقة تغطي المقبرة , والمفرح في تنظيم هذه المقبرة إنها تعطي صورة مزدوجة فهي إضافة كونها تضم جثث الموتى والشهداء الإيرانيين , ولكن دفن المبدعين يكون بمعالم وأقواس وواجهات مكتوب فيها الحادثة التي تخلد ذلك الميت .. لذا لا نعجب من اتخاذ السيد روح الله الموسوي الخميني {قدسره} أن يجعلها مكانا ينزل فيه لإلقاء أول بيان للشعب الإيراني وإعلان الثورة ...
ففي مقبرة بهشت الزهراء صرح كبير يحمل صورة الإمام وهو يعلن تشكيل أول حكومة انتقالية زمن الشاة ويلغي حكومة محمد رضا بهلوي .. ولا زال المكان حاضرا يقصده الزائرون والسياح .. وفي بهشت الزهراء نظام الإدارة يدار بالقطاع الاستثماري , فتم بناء 4 أربعة مطاعم كبيرة وشركات دفن وتغسيل وتشييع تقوم بجميع الأمور الشرعية للموتى دون أن يتحمل ذوي الميت أي عناء... أما نظافة المقبرة فحدث ولا حرج ولا يمكن المقارنة بشوارعنا النظيفة ناهيك عن مقارنتها بوادي السلام .. وحين تتجول في المقبرة فانك تنتقل إلى تاريخ إيران كله ..الرجال , المواقف .. الشهداء .. الجهاد .علماء أفذاذ . فهناك صرح كبير يحوي جثامين الذين اغتالتهم الفئات المنافقة .. باحة كبيرة كمسجد بارتفاع 10 أمتار وسط غابة من الأشجار وشوارع معبدة تضم رفات رئيس الجمهورية محمد علي رجائي ورئيس الوزراء باهونر وسبعين مسئولا آخرين قتلوا في الانفجار المدبر ضد نظام الجمهورية الإسلامية من منافقي خلق ... شهداء مكة المكرمة الذي قتلتهم قوات آل سعود في موسم الحج وهم ضيوف بيت الله .. لهم صرح فيه شبه للكعبة ويطوف حولها حجاج بيت الله ..
الإيرانيون يبدو أنهم صمموا أن تكون دولتهم من الدول العظمى , وبناء الدول يأتي ضمن قانون ودستور يحترمه جميع المواطنين .. وبالمقابل القانون يعطي حق جميع المواطنين .. وبهشت الزهراء حظيت بتكريم القوانين أولا ثم تكريم الناس لموتاهم .. لا أن نعتبر الميت وسيلة للإثراء وجلب المال فقط دون احترام كما هو عندنا في وادي السلام .. والشعب الذي يحترم موتاه ويقدم لزوارهم خدمات وترفيه فهو شعب حي ..
الدليل السياحي دلني على قبر اسم صاحبه " السيد احمد بلارك" قال انه يفوح منه عطر وأريج يخرج من تحت الأرض .. ومقابله حوض صغير بقياس 50 سم مربع ينبع فيه ماء كل يوم من الصبح إلى المساء .. وفعلا وصلنا القبر وشممنا الرائحة من بعد أمتار ورأينا عدد من النساء أقرباء الميت يجلسن عنده يقرأن القران والأدعية المأثورة ... وللشهداء الإيرانيين وللرموز الوطنيين حصة كبيرة في التكريم ... وقفنا عند قبر قال عنه المرشد السياحي ....
جاء وفد أهالي غزة من الضفة الغربية المحتلة لزيارة صاحب القبر وبكوا كثيرا عنده .. وحين سألهم المرشد السياحي عن سبب اختيارهم هذا القبر بالذات ... قالوا انه هو سبب انتصارنا بالحرب الأخيرة على إسرائيل .. هذا هو العالم المسلم الذي طور المنظومة الصاروخية التي غيرت ميزان القوى في العالم , وغيرت ميزان الحرب العربية الإسرائيلية .. ولكن اغتالته المخابرات الأمريكية الإسرائيلية .. وتكريما له وضعت الجمهورية الإسلامية عددا من نماذج مصغرة للأسلحة التي أبدع في تطويرها وتصنيعها مقابل الترسانة الأمريكية والإسرائيلية ... وأخيرا قال المرشد من هذا المكان الذي يتمليْ بأنفاس شهداء الثورة الإسلامية ضد النظام الشاهنشاهي .. وقف الإمام الخميني {قدسسره} هنا يلقي خطاب بداية الثورة ...
فهل هناك مجال للمقارنة بين فوضى مقبرة وادي السلام .. وبهشت الزهراء عليها السلام ....