العراق اليوم مبتلى بعلل كبرى اطاحت بكل احلام الجيل الحالي في السعادة والراحة والعيش الرغيد ؛ وقد تذهب بالجيل القادم ايضا الى متاهات لا مرئية ولا متوقعة ؛ واول هذه العلل واكثرها ايلاماً واشدها ضرراً هو الارهاب الاعمى عابر القيم والحدود الذي قضى منذ اكثر من اهد عشر عاما على حياة مايقرب المليون انسان وهجّر والحق الاعاقة باضعافهم واجهز على ماتبقى من البنى التحتية للبلد ؛ وعطـّل كل المشاريع التنموية والتهم الميزانيات ؛ ثم سيطر فعلياً على ثلث ارض البلد او يزيد . وفي مقابل انتشار ظاهرة الارهاب واتساع ضرره فهناك تخبط واضح وقصور في خطط المواجهة سواء من قبل المؤسسات الرسمية او القوات العسكرية والامنية بكل صنوفها ؛ كما ان هناك عجزا استخباراتياً واضحا في اختراق التنظيمات الارهابية او ايقاف ضررها او تحجيمه على الاقل كما ان هناك يئساً شعبياً من امكانية ايقاف مد التنظيمات الارهابية وتداعيات عملياتها ضد المدنيين انفسهم لانهم المعنيون اولا وقبل كل شيء ؛ وفي ذلك فلابد من اجراءات واساليب وتكتيكات جديدة وستراتيجيات سرية وعلنية لمواجهة هذا الارهاب ومن ثم اجهاض مخططاته وطرده خارج الحدود اذا لم نستطع ان نجعل من العراق مقبرة له ؛ وساتحدث هنا عن احد اساليب مواجهة الارهاب وهو دراسة تجارب الاخرين في هذا المجال ؛ فالتاريخ الحديث يروي لنا كيف ان دولاً عانت من الارهاب او لنسميها اعمال العنف التي تشبه ماجرى ويجري لنا تماماً وقد تم القضاء عليه واصبح من اخبار الماضي ؛ فهاهي ايطاليا وقد فككت وانهت اسطورة الالوية الحمراء التي وصل بها الحد الى اختطاف وقتل رئيس الوزراء الدو مورو في سبعينات القرن الماضي ؛ وتلك اسبانيا وقد اوقفت او انهت خطورة منظمة الباسك الانفصالية ؛ وهذه بريطانيا وقد حجّمت بالقوة والسياسة ايضا فعاليات الجيش الجمهوري الايرلندي السري وكذلك فعلت روسيا مع المقاتلين الشيشان وبيرو مع ثوار التوباماروس وغيرها الكثير من تجارب الدول الجديرة بالدراسة ؛ ولو اردنا مثالا حياً عن محاربة الارهاب واجتثاثه نهائياً ؛ فامامنا الجزائر الشقيقة .. حيث شهدت سنوات التسعينات من القرن الماضي تصاعد ظاهرة الارهاب في هذا البلد بشكل يشابه ما يجري في العراق اليوم ؛ فقد سيطر التشدد باسم الاسلام على غالبية مناطق البلاد الشاسعة وتم قتل المئات من الناس الابرياء وقوات الامن على الهوية وفي الحواجز الامنية المزيفة ؛ وتمت مهاجمة مقار الدولة بالسيارات المفخخة وتم ابتكار اسلوب الهجمات الانتحارية والكواتم والاحزمة الناسفة في المدن والارياف ووصل الامر الى مهاجمة واحتلال المطار الرئيس في البلاد ؛ مطار هواري بومدين ؛ وتوج الامر بوصول الارهابيين الى قمة الدولة وقتلهم امام اعين الناس للرئيس محمد بوضياف قبل ان تاخذ قوات الامن بزمام المباداة بتفعيل الجهد الاستخباري ووضع قواعد بيانات دقيقة وتاسيس جهد شعبي منظّم لحماية ومعاونة القوات الامنية وبتعاون الجزائر مع الغرب والشرق تم ايقاف المد الارهابي ومن ثم اجتثاثه من جذوره ؛ حتى ان التنظيمات الارهابية كالقاعدة مثلا لم تستطع العودة الى حواضنها السابقة في البلاد الواسعة حتى يومنا هذا رغم انها وجدت لها قدماً في دول شمال افريقيا الان . فماذا فعلت الجزائر في هذه الخصوص ؟ هل استوردت مقاتلين من الفضاء او دولا اخرى لتدافع عن وطنها وشعبها ؟ الجواب كلا طبعا ؛ ولكنها ومن المؤكد وضعت خططاً صحيحة ودرست المواقف بعناية واستفادت من تجارب الاخرين وتعاونت مع دولٍ بعينها في اطار من السرية والمهنية العالية ؛ ووضعت الخطط والبرامج التدريبية وشددت من بعض الاجراءات التي اعتبرت تقييداً للحريات ولكنها ضرورية للحفاظ على السلم الاجتماعي ووطن كان في مهب الريح ؛ فنجحت وبامتياز . والسوال : لماذا لا نذهب الى الجزائر ؛ وندرس تجربتها ونطلب عونها في مواجهة الارهاب الذي قضّ مضاجعنا واستباح مدننا واسال الدماء البريئة انهاراً ولم يستثنِ احداً من اذاه وحول بلاد النهرين الى حطام ورماد واحتل عين القلادة : الموصل العزيزة وعشرات المدن غيرها ؟ سؤال الى من يتولون امر السياسة والامن والاستخبارات في بلادنا وهمسة في اذانهم : ادرسوا تجارب الاخرين ؛ والجزائر الشقيقة اولهم وتعلموا منها الدروس واسالوها : كيف اجتثت الارهاب ؟
مقالات اخرى للكاتب