عوامل كثيرة فرضت على الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا الاتحادية والاتحاد الأوروبي وإيران وتركيا والسعودية وقطر ثم البدء بالتعاون لمواجهة التردي في أوضاع المنطقة، ومنها:
1. فقدان الولايات المتحدة سيطرتها على تنفيذ تكتيكاتها في المنطقة بإشاعة النزاعات الدينية والطائفية والفوضى الخلاقة لفرض استراتيجيتها وترتيب الوضع لصالحها وصالح إسرائيل والتي برزت بشكل خاص بسوريا والعراق وعواقبها المدمرة، إضافة لما يحصل باليمن وليبيا. فهي لم تعد قادرة وغير راغبة في السقوط في مستنقع المنطقة الذي انتهى إليه الوضع بأفغانستان والعراق وليبيا.
2. إدراك دول الاتحاد الأوروبي بأن معالجة وضع سوريا وعموم المنطقة لا يمكن عزل روسيا عنهما، كما ترغب بذلك الإدارة الأمريكية، فوجهت ضغطا مكثفا لإقناعها بضرورة التعاون مع روسيا في مواجهة الموت والهجرة المستمرين من سوريا والعراق واستمرار احتلال داعش مساحات واسعة من البلدين. سوريا والعراق.
3. وأدركت روسيا لن يكون في مقدورها حلحلة الوضع بسوريا وإبقاء نفوذها بالمنطقة ما لم تجد لغة مشتركة مع الاتحاد الأوروبي ومن خلاله مع الولايات المتحدة لمعالجة عبر المفاوضات وتحت شعار مكافحة داعش وجبهة النُصرة في مقابل بقاء الأسد ولو مؤقتاً على رأس السلطة مع الاحتفاظ بمصالحها.
4. وأدركت إيران أيضاً بأنها غير قادرة على خوض الحرب بالنيابة عن حكومات سوريا والعراق واليمن وحزب الله، ولا بد لها من تخفيف الضغط عليها من خلال التفاوض وإيجاد حلول تساومية مع الدول الأخرى مع تأمين مصالحها "الحيوية!" ونفوذها فيها.
5. أما المملكة السعودية وقطر، وهما اللتان شاركتا مع تركيا في تكوين وتمويل داعش وبقية قوى الإرهاب في المنطقة، فلم تجدا درباً لمواجهة اتساع دور هذه القوى التي بدأت تهددها وتحت ضغط المجتمع الدولي أجبرتا على اتخاذ موقف التعاون ضد داعش، علماً بأن الكثير من أغنياء هذه الدول سيبقى يساعد ويمول وينشط قوى الإرهاب الإسلامية السياسية الفاشية بالمنطقة، خاصة وإنها مرتبطة بجريمة تدمير اليمن بتحالف عربي غير شريف كان يفترض معالجة تدخل إيران الفظ في الشأن اليمني بطريقة أخرى غير هذا التدمير الهمجي.
6. أما تركيا التي تعاونت مع داعش للإجهاز على النظام السوري والحركة الكردية، أدركت مخاطر تنظيم داعش عليها وتراجعت عنه ولكنها ساومت بخسة الولايات المتحدة لتساعدها أو تسكت عن ضرب حركة التحرر الكردية في تركيا، إلا أن أردوغان واهم جداً في هذا النهج.
لم تأت هذه المواقف إلا تحت ضغط متزايد من الرأي العام العالمي والأمم المتحدة، التي تواجه النزوح الهائل لشعوب سوريا والعراق وليبيا واليمن وأجبرت على اللقاء والتنسيق العسكري والسياسي لإيجاد حلول تساومية لدول المنطقة.
إن التحالف والتعاون الجديد الذي سيفرض نفسه على الولايات المتحدة، ورغم اعتراضات الإدارة الأمريكية وبريطانيا وتأييد الاتحاد الأوروبي له، ومركزه بغداد، سيوجه ضربات قاسية لعصابات داعش ويضعفها ويقلص نفوذها، ولكن القضاء عليها وعلى حواضنها يعتمدان على الجبهة الداخلية بالعراق، جبهة العرب والكرد وبقية القوميات، جبهة أتباع الديانات والمذاهب، جبهة الشعب كله بكل اتجاهاته الفكرية والسياسية النظيفة، ويعتمد على مدى استجابة رئيس الحكومة العراقية ومجلس النواب لمطالب المظاهرات الأساسية التي من شأنها أن تعيد الوحدة للشعب الذي فتتته سياسات الحكومات البعثية وحكومتي الجعفري والمالكي خلال السنوات العشر المنصرمة وتعيد الثقة بوجود حكومة مستعدة للاستماع إلى إرادة الشعب ومصالحه. إن التحالف الدولي ليس في مقدوره أن يحل محل الشعب العراقي ولا ينبغي له أن يتدخل بالشأن العراقي وإلا سيفقد أي نجاح قيمته وأهميته. وهذا يتطلب تنشيط ليس فقط الجيش والشرطة والمتطوعين فحسب، بل وينبغي تجفيف منابع حصول داعش والقاعدة والبعث المسلح على عناصر جديدة من العاطلين عن العمل والمتذمرين من الوضع والساخطين على الحكومة، تجفيف منابع الاحتضان لهم يعني الاستجابة لمطالب الشعب والقوى التي تحس بالغبن من سياسات الحكومة الطائفية، تجفيف منابع الأموال التي تنهال على الإرهابيين كالمطر من قوى إقليمية ودولية ومحلية بحيث أعمت بصيرة القتلة قبل بصرهم.
إن الحكومة العراقية حتى الآن لم تتخذ السياسات الكفيلة بتحقيق ما يفترض أن تضع العراق على طريق الإصلاح والتغيير لكي يحقق النصر المنشود، ولم يجرأ رئيس الحكومة على ما يلزم لإزالة العوائق المسؤولة، ولهذا لن يتحقق الأمل المنشود ويبقى العراق مهدداً بشعبه وكرامته وأمواله ومستقبل بناته وأبناءه.
إن الاغتيالات والاختطاف والسطو على البيوت والاعتداء على المظاهرات والفساد لا تقوم به عصابات دعش ببغداد ، بل تمارسه المليشيات الطائفية المسلحة التي اختطفت العمال الأتراك أيضاً، وهي المعادية لعملية التغيير والمسيرة من قبل عناصر تمتلك السلطة والجاه والمال بسلطات الدولة العراقية الثلاث ولها تأييد إقليمي معروف للجميع.
مقالات اخرى للكاتب