يقال: إن البحتري سأل ابا تمام ذات يوم قائلاً: لِماذا تقول ما لا يُفهم يا أبا تمام، فرد عليه أبو تمام: ولماذا لا تفهم ما يقال. يبدو أن اهل بغداد دخلوا نطاق جدلية ابي تمام والبحتري، فمع بداية موسم الشتاء تغرق بغداد من رأسها إلى أخمص قدمها، وأمانة بغداد تقف عاجزة إلّا من الأعذار والتبريرات غير المقبولة، وحين نقول لهم: لِماذا غرقت بغداد ؟ يقولون لنا: لماذا لا تفهمون أنها الطاقة الإستيعابية لخط زبلن وخط القدس؟ فضلا عن عدم إكمال خط الخنساء الذي بوشر العمل به قبل ثماني سنوات. ونحن نرد عليهم: لماذا لم تصمموا خطوط مجاري تسستوعب الكميات المتوقعة، كما فعل البريطانيون قبل مئتي سنة خلت، حين حسبت بلدية لندن بدقة، مايطرحه أكثر الأفراد إستهلاكاً في المجاري وضربته في عدد السكان المحتمل للمدينة بعد مئة عام، ومن ثم ضاعفت الطاقة الاستيعابية بمقدار خمسة أضعاف على النسبة المحسوبة، وحين قامت بلدية لندن بتقييم وضع الشبكة قبل سنتين، وجدت أنها تكفي بريطانيا لثلاثمائة سنة مقبلة.
في حين ثبت أن السبب في غرق بغداد ليس الذي نسمعه على لسان المتحدث باسمها، ومسؤوليها، وأن ما تصرح به الأمانه ليس أكثر من أعذار تهدف الأمانة عبرها تسويق تبريراتها على سكان الأحياء الغارقة، ولو صدقت الأمانة، لتم تصريف الأمطار بعد ساعات من توقف زخاتها، كما يحصل عادة في عواصم الدول الأخرى.
لابد أن يعلم سكان بغداد أن اغلب شبكات المجاري التي تم تنفيذها فاشلة بإمتياز، ويتم نصب المنهولات على انابيب مغلقة من الأنقاض، الناتج عن التعمد أو الإهمال، وعدم متابعة المهندس المقيم في المشاريع التي تنفذها الأمانة، وأمامنا صور عديدة لمسناها بشكل مباشر بشأن شبكات المجاري التي ولدت ميتة، ولا تؤدي واجباتها بتصريف المياه، لانها ليس اكثر من جثث هامدة تحت الارض، وهذا ما حصل مع نفق باب المعظم حين تم نصب منهولات على انابيب مجاري غلقتها الأنقاض، مما جعل هذه المنطقة تغرق مع أولى زخات المطر، ولديّ شواهد بالعشرات تُشبه هذه الحالة، وكأن هناك من يقصد تبذير اموال الشعب العراقي على مشاريع فاشلة، تقف خلفها مافيات فساد كبرى باتت معروفة للجميع.
مقالات اخرى للكاتب