لا ندعي ان القرآن كتاب فيزياء او كيمياء او كتاب جاء لغرض اثبات نظريات بعينها ،ولكننا سنعرض بمنطق ماجاء به كتاب ظهر في عصر وصف بالجاهلي وأقوام لم تكن لديهم مدارس أو معاهد علم ولكنه اورد ببيان فائق النظم ومعجز، اخبار الأمم السابقة لعصره ،وبنفس الوقت اوضح الكثير من وصف الكون مما يصعب معرفته من الأنسان في ذلك الزمان ،والأكثر دهشة ان جل هذه المعلومات لم يهتدي اليها الأنسان الا ّبعد قرون طويلة بعد ان تقدم بالعلم واصبحت لديه وسائل متطورة :
( تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا) (49) (هود ) .
،وعندما نناقش هذا الموضوع ونحن مدركون ان هناك ممن يغيضهم الأسلام والقرآن وسيحاولون التصدي ، فاننا نود ايضاح ما وصلنا اليه من قناعة منطقية : من ان ما نزل على محمد وسمي القرآن الكريم هو اعجاز حقيقي سواء وقت نزوله سنة 700 ميلادية ،أو اليوم حيث تبرز أنواره متلئلئة كلما تقدم الأنسان بالعلوم واصبح مدركا لأمور ما كان للأنسان في وقت النزول من امكانية لأدراكها ،وان جوانب الأعجاز فيه متعددة لاتقتصر على جانب حياتي واحد ولاتخص زمن معين كونه المعجز لخاتم الديانات السماوية ،حيث يمكن للباحث عن الحق المنصف ان يقف على جوانب عديدة مما بدى من اعجازه مثل :-
- الأعجازالبلاغي .
- الأعجاز التشريعي .
- الأعجاز العلمي .
- الأعجاز التاريخي .
- الأعجاز الرقمي .
- الأعجاز الغيبي .
و كما جذب وابهر عرب البلاغة والفصاحة وقتها بماجاء به من بلاغة معجزة ،فان من يتمعن به ويفهم ما جاء به من اشارات حول الكون فانه يشعر بانجذاب وانبهار حقيقي نحو اياته، مماثل لما حصل للمسلمون الأوائل من انبهار ببلاغته : ( سَـنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِـي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُـسِهِمْ حَتَّـىٰ-;- يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ) ) 53) ( فصلت ) .
فعلى سبيل المثال لا الحصر لو اخذنا كروية الأرض والتي لم يكشفها العلم الحديث الا ّ حوالي عام 1543 ــ 1609م ،عندما اعلن كل من البولندي كوبرنيكوس والأيطالي غاليلو ان الأرض كروية الشكل وانها جرم يدور حول الشمس ، حيث واجه الأخير معارضة وعقوبات بالسجن من الكنيسة وقتها ،والتي كانت تتمسك بنظرية ( بطليموس – ارسطو) ،واعتبرت ارآءه هرطقة وخروج على الديانة المسيحية ، فيما كان القرآن قد ذكر ذلك بصورة جلية رغم انه لم تكن لدى المسلمين معاهد علم او تلسكوبات او اماكن رصد سنة 700 م ، ولكننا وبعد تقدم العلوم نقف اجلالا ً ومهابة ونحن نتبصر في عظيم قول الله تعالى :
(وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ ) (88) (النمل ) .
القرآن اليوم هو اكثر قدسية ،على مستوى العالم ، من وقت 700 ميلادية وهو من اكثر الكتب مبيعا في العالم ،حيث ان عدد المسلمين يقترب من مليار ونصف المليار رغم ما يتعرض له الأسلام من حملات ممنهجة ،على مستوى دول ،لتشويه مبادئه وإبراز مجموعات متطرفة ،تعد وتهيأ خارج البلاد الأسلامية ثم ترسل الى البلاد الأسلامية ترتكب الفضائح فيها، مدعية انتمائها الى الأسلام !
- سنستعرض بعض مما اتضح للبصائر من اعجاز القرآن ، واهم الشخصيات العالمية التي تناولت الموضوع بالبحث ،و كانت بارزة في بلدانها في مجال اختصاصاتها مثل الطبيب الفرنسي موريس بوكاي والذي اعلن اسلامه بعد البحث والتوسع الذي اثمر عن وضع كتابه المشهور( التوراة والأناجيل والقرآن الكريم بمقياس العلم الحديث ) ، والذي ترجم الى اكثر من سبع عشرة لغة ،وغيره من الشخصيات البارزة عالميا ً ،في نفس الوقت نتمنى من الأخوة الذين يتناولون الموضوع ان يكون نقدهم علميا ً ، ومن أجل الوصول الى الحقيقة وليس من أجل اثبات ضغائن أو اهداف خاصة أو التحجر على مواقف سلبية معينة :
1- البيان واسلوب بلاغة القرآن والتحدي الأزلي لمن يأتي بمثله :
القرآن الكتاب الوحيد من بين كتب الديانات السماوية او غيرها الذي احتفظ بحاله دون اي تحريف او تغيير ، ولا يمكن ان نحصي من تكلموا عن القرآن ولكننا ننقل عن المستشرق الفرنسي الدكتور موريس قوله :
(إن القرآن أفضل كتاب أخرجته العناية الألهية لبني البشر، وإنه كتاب لا ريب فيه ) ، وكذلك ما ذكره المستشرق جيمس متشز في مقال له :
( لعل القرآن هو أكثر الكتب التي تقرأ في العالم، وهو بكل تأكيد أيسرها حفظاً، وأشدها أثراً في الحياة اليومية لمن يؤمن به ) .ويقول الشاعر الألماني غوته :
( كلما قرأت القرآن شعرت ان روحي تهتز داخل جسمي ) .
،ونختصر بما قاله عميد الأدب العربي طه حسين في كتابه مرآة الأسلام : (ان بلاغة القرآن واسلوبه ليس بشعر ولابنثر بل هو قرآن ) ممايدل ،ورغم ما اشتهر به العرب في وقت النزول من فصاحة ، على نوع فائق من البلاغة تجاوز الأسلوب المتداول عندهم وبرز كأسلوب اعجازي متميز ،ورغم تكرار قراءته لقرون طويلة فأنه لايمل منه ،وهو مستمر بالتحدي الأزلي : لمن يقبل التحدي أن يأتي بمثله ،ولقد كان هناك عدد قليل من امثال مسيلمة الكذاب ،الذين حاولوا ترتيب بعض اسطر السجع ليتحدى القرآن ، برزوا كمعتوهين ينظر لهم كحثالة لاقيمة لها في صفحات التاريخ .
- ( قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ) (88) (الأسراء) .
2 - بيانه كروية الأرض وحركتها :
فـي الـعام 1609م أعـلن عـالم الـفيزياء الأيـطالي غالـيـلو تأييده لأفكار العالم البولندي كوبر نيكوس من ان الأرض كروية وهي تابع تدور حول الشمس .
وفي العام 1957 م استطاع الروس الحصول على اول صورة للأرض عند طريق قمر صناعي اظهرتها كرة تسبح في الفلك .
غير ان الـقرأن ذكــر دلائل علـمية لاتنكـر علـى كـروية الأرض،وذلك في عدة آيات موزعة بين ثناياه ،وهي بحق فكر سابق عند النظر اليها اليوم من الزاوية التي وصل اليها التقدم العلمي :
- (يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا ) (54 )الأعراف .
- (وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) (40) يس .
اي ان الليل والنهار يتابع احدهما الآخر بحيث لايسبق احدهما الأخر بل يحل احدهما محل الآخر، فهل هذا التتابع على خط مستقيم،في حالة الأرض غير كروية ، او على شكل دائري ،ولكن لو كان على خط مستقيم على وجه الأرض فأنه لن يحدث الا ّ ليل واحد او نهار واحد على الأرض ، بينما نجد ان الوجه المواجه للشمس يكون فيه النهار والوجه الأخر يكون ليلا ً، ويتم التغييرحثيثا حسب التعبير القرآني .
- ( رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ) (9) المزمل
قرن المشرق والمغرب في وقت واحد ،لم يقل رب المشرق ورب المغرب لآنهما يتمان في وقت واحد مما يؤكد كروية الأرض .
- ( فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ (40) المعارج .
وهذا يدل على ان كل بلدة على الأرض لها مشرق ومغرب يختلف عن الآخر حيث تختلف زاوية الشروق والغروب بأستمرار في كل جزء من الثانية ، ( وهذا ما أثبته علم الفلك الحديث ) وهذا الكلام من اوضح البيان على كروية الأرض .
واكثرمن ذلك :
- ( يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ ) (44) النور
والتقليب يعني الدورة بشكل دائريا .
- ( يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ) (5 )الزمر.
والتكوير لايكون الا على سطح كروي .
- ( وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ ) (20) الغاشية
رغم شكلها الكروي فأن الذي يعيش عليها لايحس ذلك بل يراها مسطحة ،ولو كان الأعتقاد انها مسطحة لما يدعونا القرآن الى التبصر بها كآية .
- (وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا ) (30) النازعات .
والدحية في اللغة هي الكرة .
3 - الأنفجار العظيم وتكون الكون وانفصال الأرض :(يتبع)
مقالات اخرى للكاتب