عدم قدرة الاطراف الاخرى المشاركة في العملية الانتخابية - بمحدودية امكاناتها - على اثبات او اقناع مفوضية الانتخابات بجسامة الانتهاكات والتزوير وتلاعب دولة القانون بصناديق الاقتراع لايسد الثغرة في جدار شرعية نتائجها ، ولا يختزل الديمقراطية بالانتخابات وحدها ، فالمناخات التي جرى فيها التصويت ، وماقبلها ، لاتظهر خطوات او حتى محاولات جدية لترسيخ الممارسة الديمقراطية وقيمها ، عدا شكل باهت من حرية التعبير لم يحظ بإلتفات الحكومة اليه ليضيع في جلبة الخطاب الحكومي الحزبي المضلل الذي تتبناه شبكة الاعلام العراقي واذرعها من جريدة الصباح وقنوات العراقية ورديفاتها .
عيوب العملية السياسية ، وفداحة السياسات الحكومية ، ومخرجاتهما من موت وخراب وصراع طائفي دام وفساد ، كفيلة بإسقاط اي نظام آخر في العالم وسوقه الى محاكمات سياسية وجنائية ، لكن توفر هذا النظام على موارد مالية ضخمه أخفى - حتى الان - هذه العيوب وتستر على فداحتها وأجل كشف حسابها ، فتدفق الأموال المتأتية عن ريع النفط ، وبغياب محددات السلطة ، عزز قبضة رئيس الحكومة القائد العام للقوات المسلحة على المؤسستين العسكرية والامنية ، ومكنه من ايجاد تشكيلات غير نظامية ، والتحكم بقطاع الوظيفة العامة ، والسطوة على جزء مهم من القضاء لتصفية الخصوم والمنافسين وإختطاف الهيئات المستقلة كهيئة النزاهة والبنك المركزي ، وليس انتهاء بسلب الدورين التشريعي والرقابي لمجلس النواب .
تبعية مفوضية الانتخابات ، وسكوت الادعاء العام وهيئة النزاهة ، وعدم قدرة الفرقاء السياسيين وممثليهم في مجلس النواب ، على مواجهة انتهاكات المالكي واعضاء قائمته للدستور وضوابط الحملات الانتخابية في سلوك الرشى والعطايا المشبوهة من توزيع الاراضي والتوظيف في القطاع العام المترهل ومنح الاعانات والوعد بها لاغراض انتخابية ، وحتى زج الجيش بمواجهة الشعب في محرقة الحرب العبثية ومانتج عنها من موت وتهجير وتدمير واغراق للمدن والقرى ، لم تكن لتنجح دون هذا الغطاء المالي الفاسد على حساب البنى التحتية في قطاعات الزراعة والصناعة والخدمات والتسليح ، فضعف ثقافة المواطن الاقتصادية ، حيث تعوّد رعوية الدولة المشوهة ، جعله لايدرك عمق الكارثة التي ينحدر اليها البلد جراء السياسات الاقتصادية الترضوية وهدر المال العام لشراء سكوته .
ان حجم المكاسب التي حققها السيد المالكي خلال هذه الانتخابات ، وان جاءت متراجعة ، الا انها فاقت كثيرا مقدار انجازاته ، وان عدم نجاح القوى السياسية والمرجعيات الدينية ونخب المعارضة في ربح رهانها على لجم المالكي لايعني كسب الاخير للمعركة حتى مع تحقق الولاية الثالثة ، فالتحركات على الارض تسير باتجاهات أخرى ومن الصعب ضبط ايقاعاتها ، مع تواصل انكشاف الفساد ، وقد اثبتت تجربة مرسي في مصر ان صناديق الاقتراع لاتكفل الحصانة بوجه الغضب الشعبي .
ان العملية السياسية القادمة بما في ذلك الحكومة المنشودة تستلزم انعطافة ثورية شجاعة قد لاتقدم عليها الاطراف السياسية الفاعلة لتغيير المسارات المخيفة التي يسلكها البلد في طريق وعر ومجهول ، بما في ذلك الخروج من نفق الطائفية السياسية وتحقيق المصالحة الوطنية ، وهو امل راود العراقيين طويلا في ان لايأتي التغيير دائما قاسيا ومحفوفا بالآلام .
مقالات اخرى للكاتب