بعد أن نفّذَ المجرمون الإرهابيّون بدمٍ بارد كعادتِهِم الدونيّة، واحدةً من سلسلةِ جرائمِهِم التي يقشعِرُّ لهولِها الجِلدُ البشريّ، والتي راحت ضحِيّتَها طفلةٌ بعمرِ الزهور، لمْ تتعدَّ السنةَ الرابعةَ من عمرِها الغضّ، تأجّجت مشاعري مثلما اشتعلتْ في دواخلي جمراتُ الأحاسيس، بفعلِ الحقدِ المقدّس ضدّ وحشيّةِ المحسوبين على البشر من أمثالِ وحوشِ القاعدة وأزلامِ البعثِ المقبور النازيّين الجدد وفاشست القرن الحادي والعشرين، تعالتْ صورةُ الطفلةِ الضحيّةِ أمامي، وكأنّها إبنتي، لمَ لا وهي التي تمثِّلُ رمزاً لطفولةِ الحلّةِ الفيحاء لتتعدّاها إلى الرمزيّةِ المثلى لطفولةِ العراق بلْ لبراءةِ الطفولةِ في العالم. فتجلّتْ بمشهدِها المأساويّ باتّجاه الحوارِ الضميريّ كما يلي:-
- مريومه..(بقلبٍ موجوع) مخاطِباً إيّاها
- ها..عمّو جابر؟
- كم عمركِ يا مريم؟
- عمّو جابر عمري أربع سنوات
- هل أنتِ من أطفالِ الروضة؟
- إي عمّو
- أتحفظين الأناشيد؟
-
- أيّ الأناشيد تفضّلين؟
- بالتأكيد ..موطني...موطني
- وبعد؟
- أحفظ نشيد آني طير من الجنّة
- يا عمّو لقد لفتَت انتباهي مشاهد جميلة تُحيطُكِ
- ماهي يا عمّاه
- فستانكِ الطفوليّ بلونِ الورد
وبين أصابعِكِ تتعالى المصّاصةُ مشعّةً بلونها الورديّ، والمحلّةُ التي أنجبتْكِ اسمُها محلّة الورديّة، والجامع الّلي صار بيه الإنفجار يسمّى جامع الورديّة، وجديلتاكِ المتطايرتان مع تقافزِكِ الطفوليّ تتقافزُ الحمرةُ الورديّةُ بينهما
-عمّو.. أمّي اختارتْ ألوانَ ملابسي الورديّة متلازِمةً مع طفولتي..إنّها ألوان الورد حيث قالت لي إنّها تعني البراءةَ والطفولة كما ترى، واللون الورديّ يرمز إلى المحبّة والسلام، وهنالك عيدٌ يسمّى عيد الحبِّ الذي حرَمَنا منه البعثيّون من الإحتفاءِ بهِ، لأنّهم أعداءُ المحبّة، ذلك العيد الذي يشتري جميعُ الناس لمناسبتِهِ، الوردَ الأحمر ليهدوهُ إلى أحبابهم.
- وهل ستقدّمين لنا وردةً حمراء لمناسبةِ هذا العيد الذي استغربناه في مغترَبِنا ونحنُ أهلُ المحبّةِ التي رسّخها في نفوسِنا الأئمَةُ المعصومين الإثني عشر في أوطاننا؟
- نعم يا عمّو..وأقدِّمها وأهديها لكلّ من يحبُّ العراقَ وأهلَهُ.
- مريومة..إنتِ نظيفة وأنيقة ومرتّبة.
- إي عمّو لأنْ أمّي تعتني بمظهري دائماً، وتقولُ لي يجب أن
تظهري بمظهر جميل كي يحترمَكِ الناس.
وبينما أنا أحاور ( مريم ) نظرتُ الى عينيها الجميلتين البريئتّين أحسستُ بأنّهما وكأنهما تنطقان وتوجِّهان رسائلَ إلى الشعب العراقي وإلى رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء والوزراء والنوّاب وإلى رجال الدين الحقيقيّين توصيهم بالصبرِ على الملِمّات، وإيقاع القصاص بالقتلة المجرمين كما أحسستُ بأنّها توجِّهُ رسائلَ أخرى إلى الإرهابيّين وإلى الخونة والمأجورين الذين باعوا ضمائرَهم وارتضوا لأنفسِهم أن يكونوا عبيدً لكلِّ أجنبيٍّ حاقدٍ على العراق ، رسائل مريم كثيرة ومنها إلى اللافي والدليمي والعاني وأبي ريشة وعلي حاتم سليمان وأثيل النجيفي ولقاء الوردي وكريمة الجواري حيث تصرخ مريم بوجهِ النائبتين من القائمة العراقية : لماذا لم تذكراني في مؤتمر حقوقِ الإنسان الذي عُقِدَ في تركيا ؟ لماذا دافعتما عن الإرهابيّين الذين فجّروني وقتلوني وحرموا أهلي مني؟
-لماذا يكرهوننا ياعمّو؟
-لأنّهم مجرمون يكرهون الطفولةَ، والحقَّ، ويستعدونَ الحياة،ذلك لأنّهم أعداءُ الحياة، إنّهم ضدّ الطفولة، ضدّ الإنسانيّة، ضدّ كلّ من يحبُّ وطنّهُ ويسعى لتقدُّمِهِ.
-عمّو..آني شعليّة يقتلوني؟
-عمّو..أنتِ مريم، وأبوكِ علي.
-إيْ عمّو.
-إذَنْ..أنتِ لازم تنقتلين!!
-ليش عمّو؟
-عمّو..أكو واحد إسمه قرضاوي أفتى بِحِلَّةِ قتلِنا جميعاً أطفالاً ونساءً ورجالاً والإستيلاء على ممتلكاتنا وانتهاكِ أعراضِنا لأنّنا نحبُّ عليَّ بن أبي طالب.
هنا أقترح أن تبادر بلديةَ الحِلّة إلى تنصيبِ تمثالٍ كبيرٍ لها في ساحةٍ تتوسّط الحلة ، وبناء مرقد وجامع يسمى ( جامع مريم ) تعلو جدارَ مدخلِهِ جميعَ صور الأطفال الذين قضوا مع مريم على يدِ الإرهابيّين، كما أقترح إصدارَ طابعٍ بريديٍّ يحمل صورةَ مريم المنشورةَ في موقع (صوت العراق) . كذلك أقترح أن تقوم بلدية الحلة في يوم أربعينية مريم بجمع ألف طفل يرتدون نفس لون بدلة مريم ويحملون في أيديهم وروداً حُمْراً وصورَ مريم ليُحيوا ذكراها ،وأقترح على محافظة الحلة أن تخصصَ يوماً من كل سنةٍ يسمى يوم ( مريم ) يكرَّم فيه الأطفال الأذكياء لكي تبقى مريم في ذاكرة التاريخ
كما لا يفوتني هنا أنْ أوجِّهَ العتبَ الكبير إلى منظمات حقوق الإنسان التي تدافع ليلَ نهار عن الإرهاب والإرهابيين والخونة والمأجورين، وهي تقوم بزيارات ميدانية للسجون فترتكب الخطاَ الفادح بتقديم خدماتها لهم ، تاركةً عرضَ الحائط ضحاياهم وخاصّةً الأطفال الذين يهتزُّ لقتلِهم عرشُ الله.
أخيراً على وزارة الخارجية العراقية، أن تنتبِهَ إلى مسؤوليَّتِها تجاه الطفولة العراقيّة وعلى الأقلّ أن تبادرَ إلى طبع بوستر يحمل صورةَ مريم البريئة ليُلصق على كل طرد بريدي خاص بالمخاطَبات مع الدول الأجنبية يكتب عليه بالإنكليزية (هذه الطفلة ضحيةُ الإرهاب والإرهابيين)
- مريومه عمو : أني بعد أريد أودعج ، وين أنت الان ؟
- عمو : آني بالجنّه مع أطفال الحسين حيث استقبلوني بكلِّ حفاوه وتكريم.
-باي مريومة
-باي عمّو جابر
مقالات اخرى للكاتب