ما فرص تراجع العراق إلى الهاوية، أكثر؟
دائماً ما نسأل عن الاحتمالات السيئة، حين تنتفخ الأزمة، ويشعر الجميع بأن غداً، وربما الآن، الوقت المناسب لأنباء الدم والرصاص، وأن دعاة الحكمة، في الحقيقة، هم رعاة مذابح ومجازر.
أتذكر سيلاً من المكالمات الهاتفية بين صحفيين أصدقاء، حين كان الشارع يلتهب بخبر يحضّر لحرب وشيكة. كنا نفتش في الأخبار عن لسان حكيم، كانت النار تخرج من شاشات التلفاز، وشريط العاجل يفوح باروداً.
كان السؤال عما يستجد في الأزمة استعارة متحضرة، ولائقة، بلحظة ما قبل الموت.
وكان الجميع يتقصى التداعيات، وهل من أمل في أن تنتهي الآن.
ويأتي الجواب: الشارع سيشتعل غداً.
ويبدأ الخيال الخصب: غداً سأهرب، لكن مفرزة الموت ستتقصى آخر رمق لدي.
وتتهادى الخيارات، وتسمع كيف يصنع المرء عزلته، ويهرب، لينال فرصة إضافية في الحياة:
"أجمع أغراضي، وأرحل. أفكر في أن أستقر في أربيل.
لا سأترك هذا البلد للقتلة، والمشعوذين".
على هذا المنوال تصاب الغالبية باليأس، وتدخل، حالة طوارئ مع الذات. يحدث هذا قبل أن يأتيك إعلان سياسي يؤجل الحرب، إلى إشعار آخر.
كيف يمكن تخيل اللحظة التي ستتخلى فيها القوى الكبرى، صاحبة قرار إفلات الأزمة، عن حسنة تجميد إعلان الحرب؟
دخول العراقيين وخروجهم من الأزمات، يشبه كثيراً حالة رجل معصوب العينين، يستعد لتلقي طلقة من مسلح على وشك أن تثقب رأسه، لكنها تستقر في جواره، دون أن تصيبه.
لكن، ما معيار عدم انفلات الأزمة؟ من الذي يمسك غطاء قدر الحرب؟
الأزمات بين تفجرها إلى العنف، وعودتها إلى الهدوء النسبي، تمر بحالة تشبه السعال؛ تتوقف فيها عن النمو.
***
لكن من فكر بمن لا يشترك في الحرب. الجواب الطبيعي أنهم ضحاياها الطبيعيون، وقودها الدائم.
وفي هذا القول اتهام صريح بأن من يشعل الحرب، ويجهز العتاد لصناعة الموت، أقلية تتصارع على ما تملكه الأغلبية.
الأقلية تريد أن تستحوذ على مال الجميع، وهي من تقرر كيف توزع الحصص.
الحصة الواحدة الضائعة في فم الأغلبية، يكفي ثمنها إشعال حرب مجنونة.
لكن الأغلبية تتعلم كيف يمكن للكائنات الأليفة أن تتأقلم مع الحرب:
بعد انفجار السيارة الملغومة، كان الناس يفتحون مطعماً للفلافل، ويشترون السلاح، تحسباً للسيارة القادمة.
بعد أن ظهر الملتحي، مع سلاحه، مهدداً. كانت المساجد، في مكان آخر تطلب الرجال لحماية العرض والمال.
***
في الأزمة القادمة، وحين تقرر النخبة إيقافها، ستبدأ بها الأغلبية.
مقالات اخرى للكاتب