استبشر جميع العاملين في مؤسسات الدولة خيرا بخبر إطلاق سلفة المائة راتب للموظفين ، وبدأ العمل فعلا بها في الكثير من الوزارات والدوائر الرسمية وتقدم الالاف بطلبات الحصول عليها .
ويا ليتهم لم يفكروا بالحصول عليها !!.
فالعملية برمتها يشوبها الفساد المالي وتحيط بها الألغاز المحيرة التي أفقدتها الهدف الذي من اجله أطلقت .
فالمساومات للحصول على السلفة له ثمن !!
والحصول على الاستثناءات له ثمن ..!!
وتسهيل الحصول عليها له ثمن ..!!
.ولا يمكن تعريف هذا الثمن إلا بأنه باب من أبواب الفساد المالي .
كما إن عملية الحصول على القرض هي بحد ذاتها عملية معقدة وبها شروط وضوابط غريبة وعجيبة .
ومن خلال متابعتنا للغاية التي من اجلها أطلق القرض نجد إن الادعاء يقوم على أساس مساعدة الموظف في توفير سكن ملائم له وهذه أكذوبة أخرى .
لان القرض بسقفه الأعلى البالغ 50 مليون لا يوفر إلا شراء عدة أمتار لا تكفي للسكن وخصوصا إذا كانت الأرض في مدينة بغداد .
أما إذا فكرت بالشراء من مناطق أطراف بغداد فانك ستقع في ورطة ما بعدها ورطة ، لان المصرف يريد منك سند شراء ارض يساوي ثمنها ثمن القرض والفائدة . ومنطقة إطراف بغداد يجدها المصرف إن أحسنها لا يساوي نصف القرض .
كما إن الأرض المشتراة تبقى مرهونة للمصرف حتى تسديد القرض ، ولا اعرف كم رهن يريد المصرف على قروضه البائسة ؟.
فالأرض المشتراة يجب أن ترهن ، وراتب المقترض يجب أن يرهن وراتبي الكفيلين يجب أن يرهنا ، ولم يتبقى غير أن نرهن ما لا يمكن رهنه.
ولو كانت المصارف تريد تقديم سلفة حقيقية للبناء لاعتمدت في تقدير القرض المقدم من قبلها على الراتب الكلي وليس الاسمي ، في حين نجد الاستقطاع يكون على أساس مجموع الراتب الكلي وهذا إجحاف وظلم .
ومع إننا نتفهم ونحترم حقوق المصارف بضمان رؤوس أموالها المستثمرة إلا إننا نستغرب الآليات المتبعة للإقراض .
أما الفوائد فهي كبيرة جدا حيث تبلغ 8% ولمدة عشر سنوات وهي نسبة كبيرة يتم اقتطاعها فور تسليم المبلغ ليصل مجموع ما يتقاضاه المصرف من فوائد أكثر من 20مليون دينار على قرض يبلغ قيمته 50 مليون ليصبح المبلغ المطلوب تسديده 71مليون 680 ألف دينار وهذه مجزرة بحق المقترضين.
وبعد أن أثيرت شكاوى عديدة حول الفوائد الكبيرة على القروض عمدت المصارف المقرضة لخدعة أخرى حيث قللت نسبة الفائدة وزادت عدد سنين التسديد. وهذه العملية لا تخدم إلا المصارف نفسها حيث تزداد نسبة الأرباح بزيادة عدد سنوات التسديد .
والمهزلة الأخرى إن المصارف تعرف بل واعترف مدير أحداها إن "مبالغ القرض لا تساعد على شراء ارض سكنية" .
ورغم ذلك فإذا ما تأخر المقترض قليلا بتقديم سند الأرض المشتراة يسارع المصرف بفرض غرامات وزيادة نسبة الفائدة لتصل إلى 10% من أصل المبلغ المقترض وحجز الراتب ولا اعرف لماذا يتم حجز الراتب ما دام المصرف يستلم مستحقاته كاملة .
والمهزلة الكبرى هو إن المصارف خصصت خبراء يقيّمون سعر الأرض المشتراة وفق أسعار لم تكن موجودة حتى عام 1970 .
فمثلا قطعة ارض سكنية في منطقة شارع فلسطين لا تقل قيمة المتر فيها عن 2 مليون دينار يقدرها خبراء المصرف بـ 200-250 ألف دينار ، ولا نعرف الأسس التي اعتمدها الخبراء بالتقييم ولكن هذا ما شاهدته بأم عيني.
حتى إني قلت للخبير وقتها أنا اشتري منك 1000 متر بالسعر الذي خمنته وأعطيك دلالية جيدة إذا ما حصلت لي على ارض في شارع فلسطين بهذا المبلغ .
وكان لي احد الأصدقاء المقترضين اشترى دارا في منطقة الشعب بـ89 مليون دينار بعد أن باع ما يملك لتكملة المبلغ وإذا به يفاجأ بتقدير الخبراء للدار المشتراة بـ10 مليون دينار .
وأنا هنا اسأل كل العقلاء في العراق هل يوجد بالعراق وبأتعس مناطقه وأبعدها دارا يباع بـ 10 مليون دينار فكيف إذا كان بمنطقة الشعب ؟؟؟ .
ورغم هذا فان طريقة وشروط الإقراض باتت عبئا وورطة وقع بها المقترضون ، ولو أرادت المصارف أن تكون فعلا عونا للمواطن ، فإننا نضع أمامها عدة مقترحات ونطالب الحكومة والبرلمان بالضغط لتحقيقها وهي :-
أولا : إعفاء المقترضين من شرط السند ما دام المصرف يحصل على استقطاعاته كاملة من راتب الموظف .
ثانيا : الابتعاد عن فرض الغرامات التاخيرية الناتجة عن تقديم السند لأنها مخالفة شرعية وأخلاقية .
ثالثا : في حالة الإصرار على تقديم سند فيجب قبول سندات الأراضي مهما كان موقع الأرض وسعرها لأنها ستكون محجوزة كضمان إضافي وليس الضمان الوحيد رغم إن هذه العملية لا مبرر لها أساسا لوجود ضمان الراتب والكفلاء .
رابعا : عدم تحديد مدة لتقديم سند الأرض لان المبلغ المقترض لا يساعد على شراء الأرض وهو ما يعني الحاجة لمبلغ أخر لتكملة عملية الشراء .
خامسا : إلغاء تقديم السند حتى لو تم زيادة نسبة الفائدة بـ1% لتكون 9% بدلا من 8% لمن لا يقدم سند .
سادسا: إعفاء الكفلاء من الكفالة بعد خمس سنوات ما دام المقترض مستمر بالتسديد .
هذه بعض المقترحات نضعها أمام رؤساء وإدارة المصارف المقرضة ونحن كلنا أمل بان تستجيب لها أو تضيف عليها أو تعدلها بما يخدم المواطن .
ولو تحقق هذا الأمر سنكون مشتركين بالهدف المتمثل بخدمة المواطن وممهدين له تحقيق أمنيته في الحصول على سكن يأويه .
مقالات اخرى للكاتب