وأخيراً تشكلت الحكومة . وكما توقعنا بذات الأسلوب والمضمون والأرضاء الذي شُكِّلت به الحكومات السابقة. فالكل تقاسم السلطة. والكل موالاة .ولا وجود للمعارضة التي هي علامة هامة لأستقامة الديموقراطية. ولكن ربما للضرورة أحكام. والضرورات تبيح المحضورات. فظروف العراق الآنية وخروج ما يقارب نصف مساحة العراق عن السلطة المركزية وخضوعها لهيمنة الأرهاب بقيادة داعش جعل من هذه الصيغة هي الممكنة اليوم . ولا يسع كل عاقل غيور على وطنه إلا أنْ يباركَ تشكيلها. فهو مكسب لكل اشعب بعد تجربة فاشلة مريرة. ورغم ما للتشكيلة من سلبيات حيث إحتل بعض الأشخاص مناصب وزارية ليسوا مؤهلين لها .ولكن تشكيلها هو عبور من عنق الزجاجة والدخول في مرحلة المشاركة في القرار, بعد أن كانت محصورة .وكان قرار المجموع مصادر. وهناك أمل بالأصلاح, وبدء مسيرة جديدة.
الشعب يأمل من هذه الحكومة أن تكون حكومة حرب وبناء ومصالحة حقيقية, سيما إن جميع قادة المكونات والكتل أصبحوا في قلب المسؤولية. فلا عذر لهم بعد اليوم ولن يسمح لهم أن تعود حليمة لعادتها القديمة والشعب ينتظر أن يلمس منهم التعاون لتحقيق مصالح الشعب لا السعي لأيقاع بعضهن بالبعض الآخر وتسقيطه.
إن تحرير أرض العراق من الأرهاب مسؤولية العراقيين أولاً.وبناء القوات المسلحة وتشذيبها وإعادة هيكلتها أمر وطني ملح .فقد أدارت أمريكا ظهرها العراق. ونأت بنفسها ولم تلتزم بالأتفاقية الأمنية ولا المسؤولية الأخلاقية التي ترتبتْ عليها ,جراء حلّها القوات المسلحة العراقية, وتدمير أسلحتها.فتباطأت وأحجمت عن تقديم أي دعم فعال. حتى وصلت قوات داعش الى تخوم أربيل وكركوك. فتحركت بعد أن هددت داعش مصالحها والأمن الأقليمي والدولي. وتخوفت من قطع داعش النفط عن الأسواق العالمية.وهو المحرك الكبير للإقتصاد العالمي.
فعلى المكونات أن تستفيد من الدرس وبخاصة المكون العربي (السنة والشيعة) .فهذا المكون يجب أن يأخذ موقعه بقوة أمام مطامع الأخوة الكورد اللامشروعة في أرض العراق وماله. وعلى المكون الكوردي أن يتراجع عن التعامل الفوقي مع المكون العربي والتركماني ,والعمل على ترسيخ وحدة العراق, لا تفتيته بسياسة لي الأذرع وفرض اللامعقول على شركاء الوطن, مستغلين ظروف مصطنعة. ونحن نتساءل أين المكون العربي اليوم وهو يرى التعنت الكوردي؟
على الحكومة الجديدة إستغلال ظروف التأييد والدعم الدولي للعراق بوجه الأرهاب, سيما وإن تغيراً سياسياً دولياً وإقليمياً .وإن تفاهمات جديدة طرأت على الساحة السياسية الدولية والأقليمية,و سعي أميركا لتشكيل تحالف دولي يواجه الأرهاب بمشاركة دول إقليمية عُرِفَ عنه سابقاً دعمها للأرهاب ,تمويلاً ولوجستياً .فالمطلوب من الحكومة الجديدة أن تُعزِز علاقة العراق بكل الدول. وتبتعد عن سياسة التشنج السلبية التي سادت في العقد السابق. فنحن في محيط لا بدَّ من التعايش معه.
الشعب ينتظر من الدكتور العبادي أن يؤسس لحكومة تنقل العراق نقلة نوعية. وتبني دولة مدنية حديثة, على أسس دولة مؤسسات المجتمع المدني. ويسعى لتأسيس مراكز دراسات متنوعة ترفد الدولة وتعينها. وأن يكون السيد العبادي رئيساً لوزراء العراق لا لحزبٍ أو فئة أو طائفة. مستعيناً بمستشارين أكاديميين غير منخرطين في أحزابٍ. وولاؤهم للعراق لا لحزب أو طائفة أو مكون .ويستفيد من التجربة السابقة.إن أراد النجاح.
ولا بد لنا أن نذكر بأن العملية السياسية بحاجة لتصحيح وهذا لن يتم إلا بإتفاق الممسكين بخيوط اللعبة على هذا. والبدء أولاً بتغيير قانون الأنتخابات ليفرز مجلس نواب قادر على تعديل الدستور . بعيداً عن المحاصصة والهيمنة .أمامنا فرصة للأصلاح والبناء والمطلوب الأبتعاد عن الهدم والعداء.