{إستذكارا لدماء الشهداء التي ستظل تنزف الى يوم القيامة، من أجساد طرية في اللحود، تفخر بها أرواح خالدة في جنات النعيم، أنشر موسوعة "دماء لن تجف" في حلقات متتابعة، تؤرخ لسيرة مجموعة الابطال الذين واجهوا الطاغية المقبور صدام حسين، ونالوا في معتقلاته، خير الحسنيين.. الشهادة بين يدي الله، على أمل ضمها بين دفتي كتاب، في قابل الايام.. إن شاء الله}
يشكل الشهيد.. المدرس عز الدين جليل احمد، حلقة في سلسلة مظلومية التركمان، في العراق، إذ ولد في كركوك سنة 1957، وكابوس الإحساس بعزلة الأقلية، يهصره بشعور أثني يحد من إقباله على المجتمع.
أنهى الابتدائية في مدرسة الجمهورية والمتوسطة في "المستقبل" تلتهما إعدادية "المصلى" التي تخرج فيها، العام 1976، وقبل في كلية الآداب، ليتخرج فيها، عائدا الى صفوف العناء، ينتظم في رهط أهوج، وسط مجتمعه التركماني، الذي لم تلقَ طيبته يدا عطوفا تحنو عليها ولا وجدانا ينكسر لمأساتها المستمرة.
في تلك الفترة عانى الشعب التركماني من اضطهاد دولة "البعث" الظالمة، التي لم تعنَ بإخفاء جرائمها، ومن أشهرها مشاهد التهجير العلني ونفي الموظفين والمعلمين وإعدام شخصيات تركمانية، منها السيد محمد البزاز والوزير نظام الدين عارف، وآخرين من خيرة وجهاء كركوك، أولئك الذين لا تنجب الأمم مثلهم الا على رأس كل مائة عام واحدا!
شحت سلطة البعث الشوفينية، بفضاء التعبير، تضيقه، حد الإختناق؛ فهي لاتعطي اقل الحريات لأي من فئات المجتمع العراقي، بل أعلنت حملة إعتقالات وقمع، بدءاً بإسكات أفواه المثقفين.. تكميمها، وفي المقدمة منهم مثقفو التركمان، الذين تفاقمت مأسالتهم، عند تسلط الطاغية المقبور صدام حسين، على مقاليد الحكم، التي تسلمها سنة 1979، ولم يرعَ حرمة لأيما قيمة معرفية مقدسة.
طوى رجال الدين والعلم والأدب والفن والتربويين الذين تلخصت شخصياتهم العظيمة، وهي تسفح في فضيلة الشهيد عز الدين، الذي أعتقل العام 1979، سائرا مع جلاديه بوقار صاحب القضية، المؤمن بما يضحي في سبيله، غير هياب لموت ولا متردد إزاء نهاية، تفتح أبواب البدء للآتين بعده.. "زرعوا فأكلنا ونزرع ليأكلون".
ظل رهين الحبس في زنزانات البعث المجرم، الشبيهة بعلب الشخاط.. مجرات من نسج خيال جلادين تبوؤا مناصب السلطة؛ فجاروا لأنهم لا يعرفون سوى القسوة، وسيلة يجيدون بها إدارة شؤون الجدولة.
مكث في ظلمات دهاليز الإعتقال ريثما حل العام التالي؛ حيث نفذ فيه.. يوم 9 تموز 1980، حكم الإعدام الصادر من محكم صورية تشبه لهو الأطفال (بيت ابو بيوت) تنفرط منها عقول كبرى وتهيم ارواح في الفضاء، تنشد الثأر الذي تحقق قصاصا لحق كل المظلومين، يوم مكنني الله من إعدام الديكتاتور!
شهد قاطع الإعدامات في سجن أبو غريب، روح التربوي عز الدين جليل، تزهق في عرس الإرتقاء الى رحاب بارئها، ضيفا مقيما مثواه الجنة، وطيب المقام.
مقالات اخرى للكاتب