هناك مثل صيني يقول: «العلم هو الخير، والجهل هو الشر». بهذا المعيار فإن العالم العربي مقبل على الكثير من الشرور، وإذا أردنا دليلاً على ذلك ما علينا إلا التوقف قليلاً أمام التقرير الصادر قبل أيام عن منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف). فوفقًا للتقرير الذي تثير نتائجه الإحباط، فإن أكثر من 13 مليون طفل في العالم العربي لا يتلقون تعليمًا ولا يستطيعون الذهاب إلى المدارس بسبب النزاعات والحروب. هذا الرقم يشكل نسبة 40 في المائة من الأطفال في سن الدراسة بالمراحل الابتدائية، وهي بلا شك من أهم مراحل التكوين ولهذا تعرف باسم مرحلة الأساس.
الصورة تزداد قتامة إذا وضعنا في الاعتبار أنه في ظل دوامة الحروب والأزمات التي لا تتوقف في المنطقة العربية، ضاعت في السابق أجيال حرمت من نعمة التعليم بدءًا من موجات تهجير الفلسطينيين، مرورًا بالحرب الأهلية في لبنان، وانتهاء بحروب العراق المتتالية منذ ثمانينات القرن الماضي. اليوم ينضم أكثر من 13 مليون طفل إلى قائمة المحرومين من نعمة التعلم والأمن، بينما العالم العربي مستمر في صراعاته وحروبه التي لا تستنزف موارده، وتدمر بنيانه فحسب، بل تدمر العقول أيضًا بما يشكل أخطر تهديد لمستقبله. فالأجيال التي تنشأ في ظل الحروب والتشرد ودوامة العنف، تواجه بالإضافة إلى الحرمان من نعمة التعليم، مشكلات نفسية واجتماعية، وقد تقع ضحية الاستغلال أو تتجه لحمل السلاح، أو تغذى بالشك والكراهية في ظل الفجوة المتسعة باطراد في الظروف والأوضاع بين دول المنطقة.
يتجادل الناس حاليًا حول أزمة اللاجئين التي دفعت بها إلى الواجهة الإعلامية محنة لاجئي القوارب وصور جثث الأطفال التي قذفتها الأمواج إلى الشواطئ، وتثار الأسئلة حول الدور العربي، بينما تبحث أوروبا في كيفية تقاسم العبء لاستيعاب الواصلين على حدودها. هذا الجدل سوف يتراجع ويخفت بعد حين عندما «يمل» الإعلام، أو ينشغل السياسيون بقضايا أخرى، فهكذا تعلمنا من كل الأزمات التي سبقت، والتي يفترض أن نكون قد تعلمنا منها أيضًا أن تداعيات وآثار الحروب والأزمات التي أفرزت هؤلاء اللاجئين ستبقى لعقود قادمة. الأهم من كل الجدل الوقتي الراهن، هو مصير ومستقبل الأطفال الذين شردتهم النزاعات والحروب، وحرمتهم نعمة الأمن والتعليم، وفرصة النشوء في بيئة مستقرة أو ظروف طبيعية. فهؤلاء هم المستقبل، وحرمانهم من فرص الدراسة لا يعني ضياعهم فحسب، بل يعني أن العالم العربي يتجه نحو المزيد من التخلف عن الركب العالمي الذي ينمو ويتطور بالعلم والاستقرار، بينما نغرق نحن في الجهل والحروب.
تقرير اليونيسيف ركز على مأساة الأطفال الذين تحرمهم النزاعات من فرص التعليم في سوريا والعراق وليبيا والسودان واليمن وقطاع غزة. فإضافة إلى الظروف الصعبة التي يعيشها ملايين الأطفال الذين هجروا مع أهاليهم، هناك نحو 9 آلاف مدرسة لم تعد صالحة للدراسة لأنها دمرت تمامًا أو تضررت أو باتت تستخدم كملاجئ للعائلات النازحة بفعل العنف والاقتتال، أو في بعض الحالات احتلها المسلحون كمخازن للسلاح ومخابئ للمقاتلين. زد على ذلك أن كثيرًا من العائلات في مناطق الاقتتال توقفت عن إرسال أطفالها للمدارس خوفًا عليهم من القذائف الطائشة والرصاص المتطاير، أو من الخطف والقتل المتعمد. ويورد تقرير اليونيسيف أن آلاف المدرسين تركوا وظائفهم وانضموا إلى قوافل المهجرين مما فاقم في أزمة التعليم حتى في المدارس التي بقيت تعمل رغم قساوة الظروف. المحزن أنه في بلدين مثل سوريا أو العراق حيث كانت نسب التعليم مرتفعة جدًا في السابق، بات هناك ملايين الأطفال الذين تحرمهم الحرب من فرص التعليم المستقر. فاستنادا إلى التقرير الصادر تحت عنوان «التعليم في خط النار»، هناك نحو ثلاثة ملايين طفل عراقي وأكثر من مليونين وسبعمائة ألف طفل سوري، محرومون من الدراسة بسبب الحرب التي شردتهم أو منعتهم من التوجه لمدارس مغلقة أو مدمرة أو يشكل الوصول إليها مخاطرة كبرى. والأوضاع في السودان وليبيا واليمن ليست أفضل، إذ أجبرت الحروب فيها 8 ملايين طفل على التوقف عن الدراسة.
تقرير اليونيسيف ليس الوحيد الذي يدق ناقوس الخطر، فمفوضية شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة أصدرت بدورها تقريرًا ركزت فيه على أوضاع أطفال سوريا الذين شردتهم الحرب مشيرة إلى أنهم يشكلون 52 في المائة من إجمالي تعداد اللاجئين السوريين. ودعت المفوضية العالم إلى اتخاذ إجراءات سريعة «لإنقاذ جيل من الأطفال الذين يتعرضون للصدمة والعزلة والمعاناة، من الكارثة».
الواقع أن الصورة واضحة وفاضحة، والعالم العربي مطالب قبل غيره بالتحرك السريع لأن الأزمة تعنيه وتهدد مستقبله. إذا توفرت الإرادة السياسية لن يكون صعبًا تبني مبادرة جماعية توفر فرص الدراسة للأطفال الذين حرمتهم حروب لم يصنعوها من نعمة العلم والأمن.
مقالات اخرى للكاتب