تعتبر بلدات سهل نينوى من اهم المناطق بالنسبة للمسيحيين في العراق وتأتي اهميتها هذه من كونها منطقة سكنها المسيحيون منذ قديم الزمان، وثانيا اصبحت ملاذا امنا للمسيحيين الهاربين من جحيم المحافظات الجنوبية اثر المذابح والضغوطات التي تعرضوا لها بعد 2003 وبذلك فان هذه المنطقة كانت تضم اكبر تجمع مسيحي في العراق.
غياب الامن والقانون في العراق الجديد الديمقراطي ذو الدستور العلماني! وتنامي، او بالاحرى انماء، روح العداء بين ابناء شعبه على اساس الانتماء الديني والطائفي وسيطرة الميلشيات المسلحة والعصابات المجرمة على مناحي الحياة كلها امور ادت الى تهجير اغلبية المسيحيين من العراق، ومن عجز عن الخروج من العراق التجأ الى بلدات سهل نينوى المسيحية او الى اقليم كوردستان الاكثر امانا وانفتاحا، لكن بعد سيطرة تنظيم داعش الارهابي واللاخلاقي المجرد من كل قيم الانسانية على مدينة الموصل ومن ثم سنجار وبلدات سهل نينوى وما جرى من تهجير قسري واعدام جماعي لاناس ابرياء وسبي لنساء ذنبهم الوحيد اختلاف الدين، استفحلت الامور وازدات سوءا بالنسبة للاقليات التي وجدت نفسها وحيدة ومجردة في مواجهة اعتى وحوش العصر امام مرأى ومسمع كل الدول الكبيرة والصغيرة دون ان تهز شعرة في رؤوس قادتها ورؤوسائها، وكأن ما يحصل شيء طبيعي لا يستحق اية اهمية زائدة او مبالغ فيها.
بالرغم من ان اكثر من نصف المسيحيين العراقيين قد هجروا قسرا وقصدوا المهاجر لينقذوا ارواحهم، لكن مع بدء عملية تحرير الموصل انبعث امل العودة في نفوس مسيحيي الموصل وسهل نينوى الذين بقوا داخل الوطن ولم يهاجروا الى خارج البلد للعودة الى ديارهم والبدء من جديد بعد ان ذاقوا كل انواع المعاناة وصبروا عليها، لكن هذا الامل سيبقى مقرونا بحذر اكثر من شديد، لان المسيحيين ومعهم كل الاقليات الاخرى فقدت الثقة للعيش في عراق ديمقراطي مدني يحترم حقوق الانسان ويصون كرامته ويعامل فيه كل فرد مهما كان دينه ولونه وجنسه ومهما كانت قوميته على اساس انتمائه الوطني وليس على اساس انتماءاته الاخرى، بعد ان اهينت كرامتهم وهضمت حقوقهم ودمرت اماكن عبادتهم وعوملوا معاملة الغرباء في وطن هم اصله وتاريخه وحضارته.
الخوف من المستقبل في بلد تحول الى غابة يسرح فيه اللصوص ويمرح فيه القتلة ويحكمه اولاد الحرام بكل حرية دون خوف من المحاكمة او المحاسبة او حتى الاستجواب، دفع بابناء الاقليات المسلوبي القوة والارادة، الذين اصبحوا لقمة سائغة لكل من هب ودب من المجرمين، الى التفكير بحتمية ترك الوطن والبحث عن مكان اكثر امانا يحفظ حيواتهم ويصون كرامتهم ويمنحهم حقوقهم بعيدا عن التدمير والقتل والاختطاف والنظرة الدونية التي تطارهم اينما ذهبوا في وطنهم، فالخوف الذي سيطر على نفوس هؤلاء ليس من تنظيم ارهابي فقط، بل ان هذا زرعه حكام وقادة العراق الجديد، وبنفس مستوى تنظيم داعش الارهابي، في نفوس المسيحيين والاقليات الدينية الاخرى من خلال تشريعاتهم اللادستورية دون الاخذ بادنى اعتبار لخصوصية ابناء الاقليات غير المسلمة واحترام حقوقهم، لذلك فان تحرير الموصل وسهل نينوى من سيطرة تنظيم داعش الارهابي لن يكفي لعودة المسيحيين وغيرهم الى هذه المناطق ما لم يكن هناك تأكيدات وتطمينات وضمانات حكومية ودولية لحفظ ارواح وممتلكات العائدين ومراعاة خصوصيتهم وتعويضهم بشكل عادل عن كل ما لحق بهم من ضرر واذى جسدي ونفسي ومادي.
مقالات اخرى للكاتب